السبل الميسرة في البحث عن تراجم الرواة
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد...
فإنه لما منَّ الله عليَّ وأنعم بإنهاء تصنيفي لكتاب ((الفرائد على مجمع الزوائد))، والذي ترجمت فيه ما يقرب من ألف ترجمة ممن صرح فيهم الحافظ الهيثمي - رحمه الله تعالى - بعدم معرفته لهم.
وكنت قد صنعت في مقدمته فصلاً في كيفية البحث عن تراجم الرواة، فرأيت أن أقدمه لإخواني الكرام حفظهم الله - تعالى - في مقال مستقل بذاته، ولا سيما وأن الطبعة الأولى من كتاب ((الفرائد)) قد نفدت من السوق، وأمامي وقت ليس بالقليل كي أنزل الطبعة الثانية؛ وذلك بسبب بعض الاستدراكات والإضافات التي أود أن ألحقها في الطبعة اللاحقة.
فمن أجل ذلك قمت بتقديم هذا البحث في صورة مستقلة بذاتها، لعل أن يكون فيه بعض الفوائد لإخواني المهتمين بعلم الحديث الشريف، فتصيني منهم دعوة صالحة تنفعني في الدنيا والآخرة، إنه سميع قريب مجيب للدعاء.
كيفية البحث عن تراجم الرواة:
أولاً: التأكد من صحة اسم الراوي، وأنه لم يقع فيه تصحيف، أو تحريف، أو زيادة، أو سقط، أو قلب.
ومن أيسر السبل للتأكد من عدم وقوع تغير في اسم الراوي:
أ – البحث عنه في ترجمة شيخه في الرواة عنه.
ب – البحث عنه في شيوخ تلميذه الذي روى عنه.
ج – البحث عن حديثه في مصدر آخر بشرط أن يكون مرويًا بنفس السند، أو ببعضه، على أن يكون مذكورًا فيه.
وأنا أذكر هنا مثالاً تطبيقًا لما ذكرت:
جاء في كتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري - رحمه الله تعالى - (5/377 رقم: 1073) ما يلي:
((حدثنا علي بن يحيى، نا جابر بن إسماعيل مولى المودير، عن عبد الرحمن)).
وهذا السند كله من أوله إلى آخره محرف، وبيانه كالآتي:
1- قوله: ((حدثنا علي بن يحيى)) تحريف، وصوابه:
((علي بن بحر))، وهو ابن بري القطان، أبو الحسن البغدادي، روى عن حاتم بن إسماعيل – شيخه في هذا السند – كما في تهذيب الكمال (20/325-326).
2- قوله: ((جابر بن إسماعيل مولى المودير)) تحريف أيضًا، وصوابه:
((حاتم بن إسماعيل))، وهو أبو إسماعيل المدني، وقد جاء على الصواب عند ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/58)، لما ذكر إسناد هذه الرواية في ترجمة غنام والد عبد الرحمن بن غنام.
3- قوله: ((مولى المودير)) وجعلها المحقق نسبة لجابر بن إسماعيل، وهذا وهم شديد ناتج عن السقط في السند، وعدم الإتقان في قراءة المخطوط، فقوله: ((المودير)) تحريف، وصوابه:
((المؤذن))، وهذه النسبة لإسماعيل المؤذن، فصواب السند:
((علي بن بحر، نا حاتم بن إسماعيل، عن إسماعيل المؤدن مولى عبد الرحمن بن غنام، عن عبد الرحمن)).
هكذا جاء السند بتمامه على الصواب في الإصابة للحافظ ابن حجر – - رحمه الله - تعالى - – (5/191)، وببعضه عند ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/58).
تنبيه هام: هذا الجزء من التاريخ الكبير لم يحققه العلامة اليماني - رحمه الله تعالى - لأنه لم يقف عليه أثناء تحقيقه للتاريخ الكبير، وبهذا المثال يتضح الفرق بين ما يقوم به العالم المتمكن في هذا العلم من غيره في تحقيق التراث.
إلا أنه تجدر الإشارة للباحث بأن لا ينخدع بإتيان اسم الراوي في أكثر من مصدر بنفس الاسم، ولا سيما وأن هذه المصادر المتنوعة لمصنف واحد، وذلك أنه قد يهم ذلك المصنف نفسه في اسم هذا الراوي فيورده في تصانيفه كلها على الخطأ، ومن أمثلة ذلك: ما جاء في معاجم الطبراني الثلاثة: الكبير (4/208)، والأوسط (4/20)، والصغير (رقم/ 407): ((حدثنا حاجب بن ركين الفرغاني، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن المفضل الحراني، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا المسعودي، عن عبد الملك ابن عمير، عن أيمن بن خريم بن فاتك، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم الفتى خريم...)) الحديث.
هذا الحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/122)، وقال عن يونس بن بكير: ((لم أعرفه)).
فتعقبه محقق مجمع البحرين في زوائد المعجمين الأوسط والصغير (رقم/3913) بقوله: ((فيه نظر، فإن الراوي عن المسعودي: يونس بن بكير بن واصل الشيباني - وهو من رجال مسلم - مترجم في التهذيب، وهو كوفي فسماعه من المسعودي قبل اختلاطه)).
قلت: هكذا جاء في معاجم الطبراني الثلاثة: ((يونس بن بكير))، وكذا عينه محقق مجمع البحرين – بكل اطمئنان - بأنه ابن واصل الشيباني الذي روى له الإمام مسلم في صحيحه!
ومن الطبيعي جدًا ألا يشك أي باحث فيما ذهب إليه محقق مجمع البحرين، ولكن مع شيء من التروي – وهو الأمر الذي يجب أن يتصف به أي محقق للتراث الإسلامي – يعلم بأن ما جاء في معاجم الطبراني الثلاثة من قبيل التحريف! وأن ما ذهب إليه الأخ الفاضل محقق مجمع البحرين خطأ مئة في المئة!
وبيان ذلك: أن يونس بن بكير الشيباني ليست له رواية عن المسعودي- واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي -، ولا لأحمد بن الفضل الحراني رواية عنه، كما في مصادر تراجمهم.
ثم وجدت ابن أبي حاتم لما ترجم لأحمد بن الفضل الحراني في الجرح والتعديل (2/60) ذكر في شيوخه: مسكين بن بكير.
ولما نظرت في ترجمة مسكين بن بكير من تهذيب الكمال (27/483) وجدته حرانيًا، وهي نفس نسبة الراوي عنه. وكذلك وجدت أن من شيوخه المسعودي؛ وهو شيخه في هذا الحديث.
فاطمأن قلبي أنه هو نفسه المذكور في السند، وأن ذكر يونس من الأوهام.
ولكنني كنت في حاجة ماسة للعثور على مصدر آخر مذكور فيه إسناد هذه الرواية على الصواب، حتى أطمأن إلى ما ذهبت إليه، وبفضل الله - تعالى - وجدت ما كنت أصبو إليه، فقد وجدت أبا نعيم روى هذا الحديث نفسه في ذكر أخبار أصبهان (1/279) من طريق أحمد بن الفضل الحراني، قال: عن مسكين بن بكير، عن المسعودي به.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ومسألة التغيير في اسم الراوي سواء كانت من تصحيف، أو تحريف، أو قلب لم يسلم منها كثير من أئمة هذا الشأن لأنها – كما قال الإمام عبد الغني الأزدي في مقدمة كتابه ((المؤتلف)) – ((شيئ لا يدخله القياس، ولا قبله شيء، ولا بعده شيء يدل عليه)).
ولهذا قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: ((ومن يعرى عن الخطأ والتصحيف؟)).
ومن أعجب ما وقفت عليه في ذلك ما وقع للإمام أبي حاتم الرازي - رحمه الله تعالى - في كتاب ((علل الحديث)) (2/294،295 رقم:2388) لما سأله ابنه عن حديث رواه محمد بن أبي موسى الأنطاكي، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: أخبرني زياد بن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير ما تداويتم به الحجامة)) الحديث. ثم قال ابن أبي حاتم: ((قال أبي: زياد لا يدرى من هو، وإنما يروى هذا الحديث عن حميد، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)).
قلت: والاسم تصحف هنا على الإمام أبي حاتم - رحمه الله - وصوابه: زياد، عن حميد، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتصحفت كلمة ((عن)) إلى ((بن)) فلم يعرفه، وزياد هذا هو ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني، وثقه أبو حاتم نفسه كما في الجرح والتعديل (3/533).
وقد جاء الحديث على الصواب عند النسائي في الكبرى (4/376)، من طريق ابن جريج قال: أخبرني زياد بن سعد، عن حميد الطويل به.
ومن الجدير بالذكر أن نذكر هاهنا أهم المصنفات التي يستعان بها في معرفة صحة اسم الراوي، وأنه لم يقع في تصحيف أو أي نوع من أنواع التغيير:
1- كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي - رحمه الله تعالى - فأنه يذكر في خلال تراجم الرواة أكثر مشايخهم، ومن روى عنهم، ولم يقتصر المزي في ذلك على الكتب الستة فحسب؛ بل إنه يستعين بذلك بكثير من المسانيد، والأجزاء الحديثية. ولكن ينبغي ألا يقتنع الباحث بتهذيب المزي فحسب؛ بل يجب أن يشمل بحثه عن الراوي المراد معرفته بالكتب الأخرى المصنفة على تراجم الرواة، حيث أن الإمام المزي لم يشترط على نفسه أن يستوعب كل مشايخ المترجم له، أو من روى عنه، فإنه فاته في ذلك الشيء الكثير – على الرغم فيما بذله من مجهود عظيم في هذه النقطة بالذات – حيث توجد عدة مصنفات حديثية أكاد أجزم أن الإمام المزي لم يستعن بها في ذكر مشايخ المترجم له، أو من روى عنه، بسبب كثرة ما كنت أستدرك عليه في ذلك، ومن هذه المصنفات – على سبيل المثال – كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والمستدرك للحاكم النيسابوري.
2- كتاب تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى - فإنه يحاول أن يستوعب أحاديث من يترجم له، ومن خلال ذلك يستطيع الباحث أن يقف على قدر كبير من شيوخ صاحب الترجمة.
3- تاريخ بغداد، وغير ذلك الكثير من كتب التراجم.
ثانيًا: وإذا تيقنا أن اسم هذا الراوي لم يقع فيه أي شكل من أشكال التغيير، وكان مذكورًا بكنيته، أو بنسبته، أو باسمه فقط دون ذكر باقي نسبه فتختلف طرق البحث عنه بحسب مجيئه في السند على نحو ما يأتي:
أ – كأن يروي – في هذا السند بعينه – عن شيخ مقل في رواية الحديث، فهذا الشيخ – في الغالب – الرواة عنه محصورون ومذكورون في ترجمته.
ب – أو يكون اسمه، أو كنيته، أو نسبته من المتشابهات، فيجدر على الباحث هنا ألا يغفل عن البحث في المصنفات المعنية بالمتشابه، وهي كثيرة، منها: ((المؤتلف والمختلف)) للدار قطني، و((الإكمال)) لابن ماكولا – وهو أجمع ما صنف في ذلك الفن – و ((المشتبه)) للإمام الذهبي، و ((توضيحه)) لابن ناصر الدين الدمشقي، وغير ذلك الكثير.
ج – أو يذكر بكنيته فقط، فيتجه البحث وقتها في المصنفات الخاصة بكنى الرواة، ومنها: كنى البخاري، وابن أبي حاتم المذكورين في آخر كتابيهما، وكنى مسلم، وأبي أحمد الحاكم، والدولابي، وابن مندة وغيره.
د – أو يذكر بنسبته فقط، فيبحث عنه قي كتب الأنساب، ومن أجمعها كتاب: ((الأنساب)) للسمعاني، على إعواز فيه كبير.
هـ - أو أن يكون منسوبًا لجده، وهنا ينبغي على الباحث أن يتفطن لذلك، فكم من محدث كبير وقع له اسم راو في سند ما منسوبًا لجده فلم يعرفه.
ومن أمثلة ذلك ما وقع للإمام الكبير الحافظ الدار قطني - رحمه الله تعالى - حيث أورد الإمام الذهبي في كتابه الميزان (4/364) في ترجمة يحيى بن أيوب الغافقي حديثًا من رواية عمرو بن الربيع بن طارق قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد...
قال الذهبي: خفي على الدار قطني مع حفظه أمر محمد، فإنه سمع الحديث من البغوي عن أبي نشيط، حدثنا عمرو بن الربيع. فجاء في إسناده أن محمد بن عطاء أخبره هكذا منسوبًا إلى جده، فقال الدار قطني: محمد بن عطاء مجهول؛ وإنما هذا محمد بن عمرو بن عطاء أحد الأثبات.
و- إمعان النظر في رواة السند - عامة -، وفي شيخ هذا الراوي – محل البحث -، ومن روى عنه – خاصة -، وننظر إلى أي بلد، أو محلة ينتسبون إليها، فإن كان الإسناد شاميًا، فيجب البحث عنه في كتاب ((تاريخ دمشق))، وإن كان بغداديًا، فيبحث عنه في ((تاريخ بغداد))، وهكذا.
ولا سيما إن كان شيخ هذا الراوي معروفًا عنه باختصاص أهل محلة، أو بلدة معينة بالرواية عنه دون غيرهم.
وكذلك الحال فيمن روى عنه، فلعله لم تكن له رحلة، واكتفى بالرواية عن أهل بلده أو الواردين إليها فقط.
ز – معرفة سنة وفاة هذا الراوي، كأن يصرح أحد الرواة عنه بأنه روى عنه في سنة معينة، فيبحث عنه في المصنفات التي صنفت على السنين، مثل كتاب ابن زبر الربعي، والبغوي، وتاريخ الإسلام للذهبي.
ح- وإذا لم نستطع الوقوف على سنة وفاته أو ما قاربها، فيبحث عنه في طبقة الرواة عن شيخه، ومن المصنفات الخاصة بطبقات الرواة: طبقات ابن سعد، وطبقات خليفة العصفري، وثقات ابن حبان، والسير للذهبي، وغير ذلك الكثير.
وذلك كأن يكون شيخ الراوي – محل البحث – من التابعين مثلاً فيبحث عنه في طبقة أتباع التابعين، وهكذا.
ومعرفة زمن وفاة الراوي وطبقته من الضروري بمكان، فلا يليق بالباحث مثلاً أن يبحث عن ترجمة لشيخ من شيوخ البيهقي أو الحاكم في تاريخ البخاري الكبير، أو الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وغيرهما من كتب المتقدمين وفاة وتصنيفًا.
وعليه، فيجب الإلمام بتاريخ وفيات أصحاب الكتب المصنفة في الجرح والتعديل، حتى لا يتطرق البحث فيها عن راو في طبقة أقل من طبقة صاحب الكتاب المراد البحث فيه.
ط – أن يكون في السند أحد الرواة المشهورين الذين اهتم من جاء بعدهم بجمع مروياتهم في أجزاء خاصة بهم، وهي كثيرة جدًا، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- جزء الحسن بن عرفة.
2- من اسمه عطاء من أصحاب الحديث للطبراني.
3- جزء تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عاليًا لأبي نعيم الأصبهاني.
4- جزء فيه أحاديث نافع بن أبي نعيم لأبي بكر المقرئ.
5- مسانيد فراس بن يحيى لأبي نعيم الأصبهاني.
6- جزء ما رواه أبو الزبير عن غير جابر.
7- جزء فيه أحاديث أبي الشيخ الأصبهاني، انتقاء ابن مردويه.
ي- وكذلك الحال في كتب معاجم الشيوخ: كمعجم ابن الأعرابي، وابن المقرئ، ومشيخة ابن طهمان، وابن جميع الصيداوي، والأوسط و الصغير للطبراني.
ثالثًا: أن يشترك راويان في الاسم، واسم الأب، وفي الرواية عن شيخ معين، وهذا من أصعب الأمور وأدقها في التمييز بين الرواة، وخاصة إن كان أحدهما ثقة، والآخر ضعيفًا، فكيف السبيل حينئذ للتمييز بينهما؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب اتباع ما يلي:
1- النظر إلى الراوي عنهما، ومن خلال ذلك ستحل كثير من العقبات، وذلك:
· كأن يكون هذا الراوي معروفًا بالرواية عن أحدهما دون الآخر.
· أن يكون معروفًا بالرواية عن أهل بلدة معينة دون غيرها، ويكون أحد هذين الراويين ينسب إلى هذه البلدة.
· أن يكون معروفًا بالرواية عن الثقات فقط.
إلا أن حلول هذه العقبات كلها قد تتعثر، وتتلاشى مع أدراج الرياح إذا وجدنا أن هذا الراوي يروي عن كل واحد منهما. ووقتها ستزداد المسألة صعوبة، وانظر في ذلك على سبيل المثال ترجمة عبد الكريم الجزري من كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي - رحمه الله - تعالى - (6/83).
ومع أهمية هذا الموضوع لم تأت فيه تصانيف مفردة، إلا القليل النادر، ومن ذلك كتاب: ((المعجم في مشتبه أسامي المحدثين)) لأبي الفضل الهروي - رحمه الله تعالى -، وما أورده تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى (10/406) عن الإمام المزي - رحمه الله تعالى - والفصل الذي عقده الحافظ الذهبي في آخر ترجمة حماد بن زيد من كتابه السير (7/464-465)، ولكنها أبحاث قليلة لا تشفي عليلاً.
2- وإذا لم نستطع أن نميز أحد الراويين منهما بإحدى الطرق السابقة ننظر إلى صاحب التصنيف الذي أخرج هذه الرواية في مصنفه، فإن كان معروفًا عنه أنه أخرج لأحد هذين الراويين دون الآخر، أو أنه اشترط إلا يخرج في مصنفه إلا الثقات فقط دون غيرهما استطعنا التمييز بينهما.
3- كثرة البحث والتفتيش عن إسناد هذه الرواية في مصدر آخر مخرج فيه، فلعله نسب فيه بشيء زائد يكون دليلاً للتمييز بينهما.
4- وأما إذا كان هذان الراويان ثقتين، أو ضعيفين بدرجة متقاربة في الضعف، فالخطب حينئذٍ سهل، حيث يمكن الحكم على الرواية بالصحة في حالة ثبوت ثقة كل واحد منهما، أو الضعف في حالة ضعفهما جميعًا.
رابعًا: أن يكون الراوي من نسل مشهور اعتنت كتب الأنساب بإيراد هذا النسل فيها:
كأن يكون مثلاً من نسل مشاهير الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - كالعشرة المبشرين بالجنة، أو أهل البيت، والخلفاء من بني أمية، وبني العباس، وغيرهم، ومن أشهر الكتب في ذلك: ((المعرفة)) لابن قتيبة، و((طبقات)) ابن سعد، و((طبقات)) خليفة العصفري، و((جمهرة)) ابن حزم، وغيرهم.
خامسًا: التأكد من عدم انقلاب اسم الراوي، وهذه المسألة وقع فيها بعض كبار أهل العلم، حيث انقلب عليهم أسماء رواة، فلم يعرفوهم، منهم على سبيل المثال:
ابن أبي حاتم الرازي - رحمه الله تعالى -، فقد ترجم في الجرح والتعديل (6/103) لعمر بن حفص قاضي عمان، ونقل عن أبيه قوله فيه: ((ليس بمعروف، وإسناده مجهول)).
فتعقبه الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في اللسان (5/291) بقوله: ((وهذا مما انقلب اسمه على ابن أبي حاتم، والصواب أنه: حفص بن عمر، وهو ابن السائب المخزومي)).
ثم نقل عن ابن عساكر قوله: ((حديثه مستقيم، وقلب ابن أبي حاتم اسمه)).
سادسًا: التأكد من عدم سقط جزء من اسم الراوي من السند، فلعله يذكر باسم أبيه فقط فلا يعرف.
سابعًا: التأكد من خلو السند من أي راو هالك يهم في ذكر رواة في السند ليس لهم وجود على الحقيقة.
ثامنًا: التأكد من خلو السند من المدلسين، ولا سيما أولئك الذين يدلسون أسماء الشيوخ:
وانظر على سبيل المثال ترجمة كادح بن رحمة من كتاب ((تعليقات الدار قطني على المجروحين لابن حبان)) (ص/225-226) بتحقيقي، وعلل ابن أبي حاتم الرازي (2/392 رقم:2686).
تاسعًا: التأكد من عدم تطرق زيادة في اسم الراوي، سواء كان في أوله، أو وسطه، أو آخره.
وثمة طرق أخرى في البحث عن تراجم الرواة، وإنما تتوقف معرفتها على إلمام الباحث، وخبرته الحديثية، والنية متجهة إن شاء الله - تعالى - لإفراد بحث خاص موسع في ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
المصدر فرسان السنه
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد...
فإنه لما منَّ الله عليَّ وأنعم بإنهاء تصنيفي لكتاب ((الفرائد على مجمع الزوائد))، والذي ترجمت فيه ما يقرب من ألف ترجمة ممن صرح فيهم الحافظ الهيثمي - رحمه الله تعالى - بعدم معرفته لهم.
وكنت قد صنعت في مقدمته فصلاً في كيفية البحث عن تراجم الرواة، فرأيت أن أقدمه لإخواني الكرام حفظهم الله - تعالى - في مقال مستقل بذاته، ولا سيما وأن الطبعة الأولى من كتاب ((الفرائد)) قد نفدت من السوق، وأمامي وقت ليس بالقليل كي أنزل الطبعة الثانية؛ وذلك بسبب بعض الاستدراكات والإضافات التي أود أن ألحقها في الطبعة اللاحقة.
فمن أجل ذلك قمت بتقديم هذا البحث في صورة مستقلة بذاتها، لعل أن يكون فيه بعض الفوائد لإخواني المهتمين بعلم الحديث الشريف، فتصيني منهم دعوة صالحة تنفعني في الدنيا والآخرة، إنه سميع قريب مجيب للدعاء.
كيفية البحث عن تراجم الرواة:
أولاً: التأكد من صحة اسم الراوي، وأنه لم يقع فيه تصحيف، أو تحريف، أو زيادة، أو سقط، أو قلب.
ومن أيسر السبل للتأكد من عدم وقوع تغير في اسم الراوي:
أ – البحث عنه في ترجمة شيخه في الرواة عنه.
ب – البحث عنه في شيوخ تلميذه الذي روى عنه.
ج – البحث عن حديثه في مصدر آخر بشرط أن يكون مرويًا بنفس السند، أو ببعضه، على أن يكون مذكورًا فيه.
وأنا أذكر هنا مثالاً تطبيقًا لما ذكرت:
جاء في كتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري - رحمه الله تعالى - (5/377 رقم: 1073) ما يلي:
((حدثنا علي بن يحيى، نا جابر بن إسماعيل مولى المودير، عن عبد الرحمن)).
وهذا السند كله من أوله إلى آخره محرف، وبيانه كالآتي:
1- قوله: ((حدثنا علي بن يحيى)) تحريف، وصوابه:
((علي بن بحر))، وهو ابن بري القطان، أبو الحسن البغدادي، روى عن حاتم بن إسماعيل – شيخه في هذا السند – كما في تهذيب الكمال (20/325-326).
2- قوله: ((جابر بن إسماعيل مولى المودير)) تحريف أيضًا، وصوابه:
((حاتم بن إسماعيل))، وهو أبو إسماعيل المدني، وقد جاء على الصواب عند ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/58)، لما ذكر إسناد هذه الرواية في ترجمة غنام والد عبد الرحمن بن غنام.
3- قوله: ((مولى المودير)) وجعلها المحقق نسبة لجابر بن إسماعيل، وهذا وهم شديد ناتج عن السقط في السند، وعدم الإتقان في قراءة المخطوط، فقوله: ((المودير)) تحريف، وصوابه:
((المؤذن))، وهذه النسبة لإسماعيل المؤذن، فصواب السند:
((علي بن بحر، نا حاتم بن إسماعيل، عن إسماعيل المؤدن مولى عبد الرحمن بن غنام، عن عبد الرحمن)).
هكذا جاء السند بتمامه على الصواب في الإصابة للحافظ ابن حجر – - رحمه الله - تعالى - – (5/191)، وببعضه عند ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/58).
تنبيه هام: هذا الجزء من التاريخ الكبير لم يحققه العلامة اليماني - رحمه الله تعالى - لأنه لم يقف عليه أثناء تحقيقه للتاريخ الكبير، وبهذا المثال يتضح الفرق بين ما يقوم به العالم المتمكن في هذا العلم من غيره في تحقيق التراث.
إلا أنه تجدر الإشارة للباحث بأن لا ينخدع بإتيان اسم الراوي في أكثر من مصدر بنفس الاسم، ولا سيما وأن هذه المصادر المتنوعة لمصنف واحد، وذلك أنه قد يهم ذلك المصنف نفسه في اسم هذا الراوي فيورده في تصانيفه كلها على الخطأ، ومن أمثلة ذلك: ما جاء في معاجم الطبراني الثلاثة: الكبير (4/208)، والأوسط (4/20)، والصغير (رقم/ 407): ((حدثنا حاجب بن ركين الفرغاني، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن المفضل الحراني، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا المسعودي، عن عبد الملك ابن عمير، عن أيمن بن خريم بن فاتك، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم الفتى خريم...)) الحديث.
هذا الحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/122)، وقال عن يونس بن بكير: ((لم أعرفه)).
فتعقبه محقق مجمع البحرين في زوائد المعجمين الأوسط والصغير (رقم/3913) بقوله: ((فيه نظر، فإن الراوي عن المسعودي: يونس بن بكير بن واصل الشيباني - وهو من رجال مسلم - مترجم في التهذيب، وهو كوفي فسماعه من المسعودي قبل اختلاطه)).
قلت: هكذا جاء في معاجم الطبراني الثلاثة: ((يونس بن بكير))، وكذا عينه محقق مجمع البحرين – بكل اطمئنان - بأنه ابن واصل الشيباني الذي روى له الإمام مسلم في صحيحه!
ومن الطبيعي جدًا ألا يشك أي باحث فيما ذهب إليه محقق مجمع البحرين، ولكن مع شيء من التروي – وهو الأمر الذي يجب أن يتصف به أي محقق للتراث الإسلامي – يعلم بأن ما جاء في معاجم الطبراني الثلاثة من قبيل التحريف! وأن ما ذهب إليه الأخ الفاضل محقق مجمع البحرين خطأ مئة في المئة!
وبيان ذلك: أن يونس بن بكير الشيباني ليست له رواية عن المسعودي- واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي -، ولا لأحمد بن الفضل الحراني رواية عنه، كما في مصادر تراجمهم.
ثم وجدت ابن أبي حاتم لما ترجم لأحمد بن الفضل الحراني في الجرح والتعديل (2/60) ذكر في شيوخه: مسكين بن بكير.
ولما نظرت في ترجمة مسكين بن بكير من تهذيب الكمال (27/483) وجدته حرانيًا، وهي نفس نسبة الراوي عنه. وكذلك وجدت أن من شيوخه المسعودي؛ وهو شيخه في هذا الحديث.
فاطمأن قلبي أنه هو نفسه المذكور في السند، وأن ذكر يونس من الأوهام.
ولكنني كنت في حاجة ماسة للعثور على مصدر آخر مذكور فيه إسناد هذه الرواية على الصواب، حتى أطمأن إلى ما ذهبت إليه، وبفضل الله - تعالى - وجدت ما كنت أصبو إليه، فقد وجدت أبا نعيم روى هذا الحديث نفسه في ذكر أخبار أصبهان (1/279) من طريق أحمد بن الفضل الحراني، قال: عن مسكين بن بكير، عن المسعودي به.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ومسألة التغيير في اسم الراوي سواء كانت من تصحيف، أو تحريف، أو قلب لم يسلم منها كثير من أئمة هذا الشأن لأنها – كما قال الإمام عبد الغني الأزدي في مقدمة كتابه ((المؤتلف)) – ((شيئ لا يدخله القياس، ولا قبله شيء، ولا بعده شيء يدل عليه)).
ولهذا قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: ((ومن يعرى عن الخطأ والتصحيف؟)).
ومن أعجب ما وقفت عليه في ذلك ما وقع للإمام أبي حاتم الرازي - رحمه الله تعالى - في كتاب ((علل الحديث)) (2/294،295 رقم:2388) لما سأله ابنه عن حديث رواه محمد بن أبي موسى الأنطاكي، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: أخبرني زياد بن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير ما تداويتم به الحجامة)) الحديث. ثم قال ابن أبي حاتم: ((قال أبي: زياد لا يدرى من هو، وإنما يروى هذا الحديث عن حميد، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)).
قلت: والاسم تصحف هنا على الإمام أبي حاتم - رحمه الله - وصوابه: زياد، عن حميد، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتصحفت كلمة ((عن)) إلى ((بن)) فلم يعرفه، وزياد هذا هو ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني، وثقه أبو حاتم نفسه كما في الجرح والتعديل (3/533).
وقد جاء الحديث على الصواب عند النسائي في الكبرى (4/376)، من طريق ابن جريج قال: أخبرني زياد بن سعد، عن حميد الطويل به.
ومن الجدير بالذكر أن نذكر هاهنا أهم المصنفات التي يستعان بها في معرفة صحة اسم الراوي، وأنه لم يقع في تصحيف أو أي نوع من أنواع التغيير:
1- كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي - رحمه الله تعالى - فأنه يذكر في خلال تراجم الرواة أكثر مشايخهم، ومن روى عنهم، ولم يقتصر المزي في ذلك على الكتب الستة فحسب؛ بل إنه يستعين بذلك بكثير من المسانيد، والأجزاء الحديثية. ولكن ينبغي ألا يقتنع الباحث بتهذيب المزي فحسب؛ بل يجب أن يشمل بحثه عن الراوي المراد معرفته بالكتب الأخرى المصنفة على تراجم الرواة، حيث أن الإمام المزي لم يشترط على نفسه أن يستوعب كل مشايخ المترجم له، أو من روى عنه، فإنه فاته في ذلك الشيء الكثير – على الرغم فيما بذله من مجهود عظيم في هذه النقطة بالذات – حيث توجد عدة مصنفات حديثية أكاد أجزم أن الإمام المزي لم يستعن بها في ذكر مشايخ المترجم له، أو من روى عنه، بسبب كثرة ما كنت أستدرك عليه في ذلك، ومن هذه المصنفات – على سبيل المثال – كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والمستدرك للحاكم النيسابوري.
2- كتاب تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى - فإنه يحاول أن يستوعب أحاديث من يترجم له، ومن خلال ذلك يستطيع الباحث أن يقف على قدر كبير من شيوخ صاحب الترجمة.
3- تاريخ بغداد، وغير ذلك الكثير من كتب التراجم.
ثانيًا: وإذا تيقنا أن اسم هذا الراوي لم يقع فيه أي شكل من أشكال التغيير، وكان مذكورًا بكنيته، أو بنسبته، أو باسمه فقط دون ذكر باقي نسبه فتختلف طرق البحث عنه بحسب مجيئه في السند على نحو ما يأتي:
أ – كأن يروي – في هذا السند بعينه – عن شيخ مقل في رواية الحديث، فهذا الشيخ – في الغالب – الرواة عنه محصورون ومذكورون في ترجمته.
ب – أو يكون اسمه، أو كنيته، أو نسبته من المتشابهات، فيجدر على الباحث هنا ألا يغفل عن البحث في المصنفات المعنية بالمتشابه، وهي كثيرة، منها: ((المؤتلف والمختلف)) للدار قطني، و((الإكمال)) لابن ماكولا – وهو أجمع ما صنف في ذلك الفن – و ((المشتبه)) للإمام الذهبي، و ((توضيحه)) لابن ناصر الدين الدمشقي، وغير ذلك الكثير.
ج – أو يذكر بكنيته فقط، فيتجه البحث وقتها في المصنفات الخاصة بكنى الرواة، ومنها: كنى البخاري، وابن أبي حاتم المذكورين في آخر كتابيهما، وكنى مسلم، وأبي أحمد الحاكم، والدولابي، وابن مندة وغيره.
د – أو يذكر بنسبته فقط، فيبحث عنه قي كتب الأنساب، ومن أجمعها كتاب: ((الأنساب)) للسمعاني، على إعواز فيه كبير.
هـ - أو أن يكون منسوبًا لجده، وهنا ينبغي على الباحث أن يتفطن لذلك، فكم من محدث كبير وقع له اسم راو في سند ما منسوبًا لجده فلم يعرفه.
ومن أمثلة ذلك ما وقع للإمام الكبير الحافظ الدار قطني - رحمه الله تعالى - حيث أورد الإمام الذهبي في كتابه الميزان (4/364) في ترجمة يحيى بن أيوب الغافقي حديثًا من رواية عمرو بن الربيع بن طارق قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد...
قال الذهبي: خفي على الدار قطني مع حفظه أمر محمد، فإنه سمع الحديث من البغوي عن أبي نشيط، حدثنا عمرو بن الربيع. فجاء في إسناده أن محمد بن عطاء أخبره هكذا منسوبًا إلى جده، فقال الدار قطني: محمد بن عطاء مجهول؛ وإنما هذا محمد بن عمرو بن عطاء أحد الأثبات.
و- إمعان النظر في رواة السند - عامة -، وفي شيخ هذا الراوي – محل البحث -، ومن روى عنه – خاصة -، وننظر إلى أي بلد، أو محلة ينتسبون إليها، فإن كان الإسناد شاميًا، فيجب البحث عنه في كتاب ((تاريخ دمشق))، وإن كان بغداديًا، فيبحث عنه في ((تاريخ بغداد))، وهكذا.
ولا سيما إن كان شيخ هذا الراوي معروفًا عنه باختصاص أهل محلة، أو بلدة معينة بالرواية عنه دون غيرهم.
وكذلك الحال فيمن روى عنه، فلعله لم تكن له رحلة، واكتفى بالرواية عن أهل بلده أو الواردين إليها فقط.
ز – معرفة سنة وفاة هذا الراوي، كأن يصرح أحد الرواة عنه بأنه روى عنه في سنة معينة، فيبحث عنه في المصنفات التي صنفت على السنين، مثل كتاب ابن زبر الربعي، والبغوي، وتاريخ الإسلام للذهبي.
ح- وإذا لم نستطع الوقوف على سنة وفاته أو ما قاربها، فيبحث عنه في طبقة الرواة عن شيخه، ومن المصنفات الخاصة بطبقات الرواة: طبقات ابن سعد، وطبقات خليفة العصفري، وثقات ابن حبان، والسير للذهبي، وغير ذلك الكثير.
وذلك كأن يكون شيخ الراوي – محل البحث – من التابعين مثلاً فيبحث عنه في طبقة أتباع التابعين، وهكذا.
ومعرفة زمن وفاة الراوي وطبقته من الضروري بمكان، فلا يليق بالباحث مثلاً أن يبحث عن ترجمة لشيخ من شيوخ البيهقي أو الحاكم في تاريخ البخاري الكبير، أو الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وغيرهما من كتب المتقدمين وفاة وتصنيفًا.
وعليه، فيجب الإلمام بتاريخ وفيات أصحاب الكتب المصنفة في الجرح والتعديل، حتى لا يتطرق البحث فيها عن راو في طبقة أقل من طبقة صاحب الكتاب المراد البحث فيه.
ط – أن يكون في السند أحد الرواة المشهورين الذين اهتم من جاء بعدهم بجمع مروياتهم في أجزاء خاصة بهم، وهي كثيرة جدًا، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- جزء الحسن بن عرفة.
2- من اسمه عطاء من أصحاب الحديث للطبراني.
3- جزء تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عاليًا لأبي نعيم الأصبهاني.
4- جزء فيه أحاديث نافع بن أبي نعيم لأبي بكر المقرئ.
5- مسانيد فراس بن يحيى لأبي نعيم الأصبهاني.
6- جزء ما رواه أبو الزبير عن غير جابر.
7- جزء فيه أحاديث أبي الشيخ الأصبهاني، انتقاء ابن مردويه.
ي- وكذلك الحال في كتب معاجم الشيوخ: كمعجم ابن الأعرابي، وابن المقرئ، ومشيخة ابن طهمان، وابن جميع الصيداوي، والأوسط و الصغير للطبراني.
ثالثًا: أن يشترك راويان في الاسم، واسم الأب، وفي الرواية عن شيخ معين، وهذا من أصعب الأمور وأدقها في التمييز بين الرواة، وخاصة إن كان أحدهما ثقة، والآخر ضعيفًا، فكيف السبيل حينئذ للتمييز بينهما؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب اتباع ما يلي:
1- النظر إلى الراوي عنهما، ومن خلال ذلك ستحل كثير من العقبات، وذلك:
· كأن يكون هذا الراوي معروفًا بالرواية عن أحدهما دون الآخر.
· أن يكون معروفًا بالرواية عن أهل بلدة معينة دون غيرها، ويكون أحد هذين الراويين ينسب إلى هذه البلدة.
· أن يكون معروفًا بالرواية عن الثقات فقط.
إلا أن حلول هذه العقبات كلها قد تتعثر، وتتلاشى مع أدراج الرياح إذا وجدنا أن هذا الراوي يروي عن كل واحد منهما. ووقتها ستزداد المسألة صعوبة، وانظر في ذلك على سبيل المثال ترجمة عبد الكريم الجزري من كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي - رحمه الله - تعالى - (6/83).
ومع أهمية هذا الموضوع لم تأت فيه تصانيف مفردة، إلا القليل النادر، ومن ذلك كتاب: ((المعجم في مشتبه أسامي المحدثين)) لأبي الفضل الهروي - رحمه الله تعالى -، وما أورده تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى (10/406) عن الإمام المزي - رحمه الله تعالى - والفصل الذي عقده الحافظ الذهبي في آخر ترجمة حماد بن زيد من كتابه السير (7/464-465)، ولكنها أبحاث قليلة لا تشفي عليلاً.
2- وإذا لم نستطع أن نميز أحد الراويين منهما بإحدى الطرق السابقة ننظر إلى صاحب التصنيف الذي أخرج هذه الرواية في مصنفه، فإن كان معروفًا عنه أنه أخرج لأحد هذين الراويين دون الآخر، أو أنه اشترط إلا يخرج في مصنفه إلا الثقات فقط دون غيرهما استطعنا التمييز بينهما.
3- كثرة البحث والتفتيش عن إسناد هذه الرواية في مصدر آخر مخرج فيه، فلعله نسب فيه بشيء زائد يكون دليلاً للتمييز بينهما.
4- وأما إذا كان هذان الراويان ثقتين، أو ضعيفين بدرجة متقاربة في الضعف، فالخطب حينئذٍ سهل، حيث يمكن الحكم على الرواية بالصحة في حالة ثبوت ثقة كل واحد منهما، أو الضعف في حالة ضعفهما جميعًا.
رابعًا: أن يكون الراوي من نسل مشهور اعتنت كتب الأنساب بإيراد هذا النسل فيها:
كأن يكون مثلاً من نسل مشاهير الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - كالعشرة المبشرين بالجنة، أو أهل البيت، والخلفاء من بني أمية، وبني العباس، وغيرهم، ومن أشهر الكتب في ذلك: ((المعرفة)) لابن قتيبة، و((طبقات)) ابن سعد، و((طبقات)) خليفة العصفري، و((جمهرة)) ابن حزم، وغيرهم.
خامسًا: التأكد من عدم انقلاب اسم الراوي، وهذه المسألة وقع فيها بعض كبار أهل العلم، حيث انقلب عليهم أسماء رواة، فلم يعرفوهم، منهم على سبيل المثال:
ابن أبي حاتم الرازي - رحمه الله تعالى -، فقد ترجم في الجرح والتعديل (6/103) لعمر بن حفص قاضي عمان، ونقل عن أبيه قوله فيه: ((ليس بمعروف، وإسناده مجهول)).
فتعقبه الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في اللسان (5/291) بقوله: ((وهذا مما انقلب اسمه على ابن أبي حاتم، والصواب أنه: حفص بن عمر، وهو ابن السائب المخزومي)).
ثم نقل عن ابن عساكر قوله: ((حديثه مستقيم، وقلب ابن أبي حاتم اسمه)).
سادسًا: التأكد من عدم سقط جزء من اسم الراوي من السند، فلعله يذكر باسم أبيه فقط فلا يعرف.
سابعًا: التأكد من خلو السند من أي راو هالك يهم في ذكر رواة في السند ليس لهم وجود على الحقيقة.
ثامنًا: التأكد من خلو السند من المدلسين، ولا سيما أولئك الذين يدلسون أسماء الشيوخ:
وانظر على سبيل المثال ترجمة كادح بن رحمة من كتاب ((تعليقات الدار قطني على المجروحين لابن حبان)) (ص/225-226) بتحقيقي، وعلل ابن أبي حاتم الرازي (2/392 رقم:2686).
تاسعًا: التأكد من عدم تطرق زيادة في اسم الراوي، سواء كان في أوله، أو وسطه، أو آخره.
وثمة طرق أخرى في البحث عن تراجم الرواة، وإنما تتوقف معرفتها على إلمام الباحث، وخبرته الحديثية، والنية متجهة إن شاء الله - تعالى - لإفراد بحث خاص موسع في ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
المصدر فرسان السنه