التقية عند الوهابية[3]
إنهم بنوا عقيدتهم على أساس هش ومغالطة تسمى في علم المنطق (قبول المقدمات ورفض النتيجة) وتسمى في علم الكلام (عدم الالتزام بلوازم المذهب) وفي لغة العصر (تبني التشبيه والتجسيم بدون اسمه) إنهم يستعملون مبدأ التقية في التصريح بصفات معبودهم ، ويشنعون على الشيعة استعمالهم التقية في بعض أمورهم !
إن الباحث في توحيد الوهابيين يرى نفسه بين أمرين : إما أن يحكم على علمائهم بعدم الفهم ، أو يحكم عليهم بأنهم يستعملون التقية في الإفصاح عن معبودهم ، ولكنه يستبعد الحكم على علمائهم بعدم الفهم لأنه يرى أن ابن عبد الوهاب وبعض تلاميذه الماضين وبعض تلاميذه المعاصرين مثل ابن باز والألباني ، وأسلافهم كالذهبي وابن تيمية ومجسمة الحنابلة ، يعرفون معنى الحمل على الظاهر وما يستلزمه من تجسيم ، ولكنهم يدافعون عن أنفسهم أمام المسلمين بنفي اللوازم ، بينما يظهر التجسيم في كلماتهم وما يسرُّونه للخاصة من أتباعهم ! مما يكتم تفسيره على حد قول ابن تيمية ! أو بالقول أن ما ورد في القرآن والسنة هو نفي الند والمثل والكفء أما الشبيه فلم يرد فيه نفي فلا مانع من القول به لا عقلاً ولا شرعاً[7] !!
ويقول الذهبي إن ذلك من (العلم المباح (الذي) لا يجب بثه ، ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء)[8] وهذا شبيه بالعلم الذي يحصره اليهود والنصارى برؤساء الاكليروس أي كبار الكرادلة والحاخامات !! ، ويقول في سيره 20/331 (ومسألة النـزول فالإيمان به واجب وترك الخوض في لوازمه أولى) اهـ. وكلمة (وتركه أولى) تعبير فقهي معناه أن التعبير به جائز ولكن الأحسن تركه ، فهو ملتفت إلى أن لوازم مذهبه التجسيم وملتزم بها ، ولكنه يفضل عدم الكلام فيها حتى لا يكون ممسكاً عليهم عند المنـزهين !
وأما عوامهم فهم عوام أقحاح لا يعرفون إلا مدح مذهبهم بأنه مذهب التوحيد ومذهب السلف ، ولا يعرفون معنى التأويل والتفويض والمجاز.
وأما طلبتهم وأكثر خريجيهم فيتصورون أن حمل آيات الصفات على الظاهر الحسي هو مذهب جمهور الأمة وسلفها الصالح ، لكثرة ما لقنوهم ذلك في كتبهم الدراسية ووسائل إعلامهم ، ولا يكاد أحدهم يعرف معنى الحمل على الظاهر ولوازمه !
تقول لأحدهم : إن قول علمائك بأن الله تعالى جالس على عرشه ، وأنه ينـزل إلى الأرض كما نزل ابن تيمية عن درج المنبر في الشام ، يلزم منه تحديد الله تعالى بالمكان والزمان وصفات المكين والزمين ! فيجيبك : كلا ، لا يلزم من ذلك التشبيه والتجسيم ! لأنه يجلس كما يليق بجلاله ، وينـزل كما يليق بجلاله ...!! ويتصور هذا المسكين أنه إذا لقلق لسانه بقوله (كما يليق بجلاله) فقد حل المشكلة العلمية ، ودحا باب خيبر !! فمثله كمثل الذي يأكل ويشرب في وضح النهار ثم يصر على أنه صائم لم يذق شيئاً ! لأنه صام كما يليق بصيامه ، وأكل كما يليق بجنابه ! مع أنه لم يبقِ شيئاً حسناً يليق بجنابه.
ويدل النص التالي للسبكي أن التقية معروفة عند أسلاف الوهابيين ، وأن بعض العلماء قد بيَّن سببها ، قال في طبقات الشافعية 8/ 222 : ( قال الشيخ ابن عبدالسلام : والحشوية والمشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ضربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو (ويحسبون أنهم على شيء) والآخر يتستر بمذهب السلف لسحت أكله أو حطام يأخذه)
أقول: التقية عند مشائخ الحشوية يدركها من يقرأ كتب ابن القيم وأستاذه ابن تيمية فهما يغلفان مرادهما تغليفاً بألفاظ منمقة وعبارات مسهبة ومقدمات طويلة لا تدرك مغزاها إلا بعد طول تأمل ، وخصوصاً في مسائل التجسيم كأنهما يريدان أن يقولا شيئاً يخجلان به ، وهو سبيلهم لبقاء كتبهم التي لو علم الناس ما فيها من باطل لأحرقوها ، وما فعلوا ذلك إلا بعد أن خبروا الناس ورأوا ردود أفعالهم ، وهذا مذهبهم الباطل لم يلق أرضاً خصبة إلا في بلاد مسيلمة الكذاب ، إن في ذلك لعبرة.
[3] منقول بتصرف يقتضيه السياق من كتاب "الوهابية والتوحيد" لعلي الكوراني العاملي ، دار السيرة – بيروت ، ص 88
[4] التجسيم هو حمل آيات صفات الباري المذكورة في القرآن والسنة على ظاهرها ، ويحرم أتباع هذا المذهب المجاز التأويل والتفويض لأنه شر أقوال أهل البدع والإلحاد على حد تعبير ابن تيمية ، فيفسرون آيات الصفات تفسيراً حسياً.
[5] راجع مثلاً الألباني في فتاويه ص 522 – 523 عندما قال (.. المهم أن ننزه الإمام البخاري أن يؤول هذه الآية ، وهو إمام في الحديث وفي الصفات ، وهو سلفي العقيدة والحمد لله .) ويقصد بالآية { كل شيء هالك إلا وجهه } !!
[6] ويقولون لا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ، ثم يقولون: استوى على العرش بذاته ، فمن أي قرآن ومن أي سنة جاؤوا بلفظة (بذاته) هذه!!
[7] يقول ابن تيمية في الرسالة التدمرية ص 75 : " فهؤلاء إذا أطلقوا على الصفاتية اسم التشبيه والتمثيل كان هذا بحسب اعتقادهم الذي ينازعهم فيه أولئك ، ثم يقول لهم أولئك : هب أن هذا المعنى قد تسمى في اصطلاح بعض الناس تشبيهاً ، فهذا المعنى لا ينفيه عقل ولا سمع ، وإنما الواجب نفي ما نفته الأدلة الشرعية والعقلية ، والقرآن قد نفى مسمى المثل والكفء والند ونحو ذلك ، ولكن يقولون الصفة في لغة العرب ليست مثل الموصوف ولا كفؤه ولا نده ، فلا يدخل في النص . وأما العقل : فلم ينف مسمى التشبيه في اصطلاح المعتزلة.
[8] الوهابية والتوحيد ص 79 ، ولم يحدد المصدر أهو سير أعلام النبلاء ، أم تذكرة الحفاظ ، ولكن الذهبي في التذكرة 4/13-14 وفي سيره 21 / 463 يدافع عن المجسمة الذين لحقهم الأذى بسبب إظهار التجسيم كعبد الغني الذي يسميه بالحافظ والذي أفتى فقهاء مصر بإباحة دمه ، لذا فهو يرى أن كتمانها عن العامة أولى.
منقول