هذا مقتطف من الرسائل الغمارية في الرد على ناصر الألباني
يقول المحدث سيدي عبد الله بن الصديق رضي الله عنه
"هُو مُحمّد نَاصِر الدِين الألبَانِي أصلاً, إعتكفَ فِي بَادئ أمْره فِي غُرفة المَكتبة الظَاهِرية - دِمشق - إنكبّ فِيها عَلى القِراءة, وإنعكفَ عَلى المُطالعة, فَظن فِي نفسهِ أنهُ أصبحَ مِن أهْل هَذا الشأن, فَتجرأ عَلى الفَتوى, وعَلى تضعِيف وَتصحِيح مَا لا يُوافِق هَواه مِن الأحَادِيث, وعَلى التهجّم عَلى العُلماء المُعتبرين, مَع إدعائه أنّ الحفظ إنقطعَ هَذه الأيَام فَتراه مَرة يغيِر عَلى أقْوال العُلماء بالتَشنِيع, ومَرة عَلى الأحَادِيث الجياد بالتَضعِيف والتَوهِين, حَتى إنّ صَحيح البُخارِي ومُسلم لَم يسلمَا منهُ.
وَعلى هَذا فإنَ إسناده مَقطُوع ويَعود إلى الكُتب التِي تَصفحهَا لَوحده, وإلى الأجْزاء التِي قَرأهَا مِن غَير تلقّ, ويدّعِي أنهُ خَليِفة الشَيخ بَدر الدِين الحسني الذِي كَانت السبحة لا تَسقطَ مِن يدهُ حَتى أثنَاء درسه ثُم يبدّع -أي الألبَانِي- من يستعملهَا, وَبعد هَذا كُله يدّعي أنه بَلغَ دَرجة الحفظ والتَصحِيح ويوهم أتبَاعه أنهُ محّدث الدُنيا قَاطِبة, وهَل مُجرّد الحصُول عَلى إجَازة تخوّل الشَخص التكلّم عَلى حَديث رسُول الله صَلى الله عليهِ وسَلم. ثُمإنهُ مما يشهد عليهِ معَاصروه مِن عُلماء دِمشق عَدم حِفظه للمتُون فضلاً عَنالأسَانِيد, بَل جلّ عمله أنهُ يعكف عَلى حَديث مُعين فَينظر فِي رِجال إسنَاده فِيبطُون كُتب الجرح والتَعديل وبِناء عَلى ذلكَ يَحكُم عَلى الحَديث بالتَصحِيح أوالتَضعِيف, جَاهلاً أن للحَديث طرقاً وشَواهد ومُتابعات, غَافلاً أنّ الحَافظ وَحدههُو الذِي يصحّح ويضعف كَما قَال السُيوطِي فِي ألفيته:
وخذه حَيث حَافظ عليه نص ** أو من مصنَّف بِجمعه يخص
هذا مَع إن عِلم الدِين لا يُؤخذ بالمُطالَعةللكُتب فَقط دُون التَلقّي مِن أهْل المَعرفة والثِقة, لأنهُ قَد يكُون فِي هَذهالكُتب دسّ وإفترَاء عَلى الدّين, أو قَد يفهم منهَا أشيَاء عَلى خِلاف ما هِي عليه عِند السَلف والخَلف كَما تَناقلوه جِيلاً عَن جِيل مِن الأمة فَيُؤدِي عَبادةفَاسِدة, أو يَقع فِي تَشبِيه الله بِخلقه, أو غَير ذلكَ.
وَعلى كُلّ فَليسذلكَ سَبِيل التعلُم الذِي نهجه السَلف والخَلف, قَال الحَافظ أبو بَكر الخَطِيب البَغدَادِي: "لا يُؤخَذ العِلم إلاّ مِن أفْواه العُلماء", فَلا بُدّ مِن تعلُمأمُور الدِين من عَارف ثِقة أخَذ عَن ثِقة وَهكذا إلى الصَحابة, فالذِي يأخذَ القُرءان مَن المصحف يُسمى مصحفيّاً ولا يُسمى قَارئاً كَما ذَكر ذلكَ الخَطيبالبَغدادي فِي كِتابهِ الفَقيه والمُتفقه عَن بَعض السَلف.
ثُم يَكفيِنا فِي الحثّ عَلى التلقّي قَول النَبي صَلى الله عليهِ وسَلم:"مَن يُرد الله بهِ خَيراً يُفقّهه فِي الدِين"(1), وفِي رِوَاية زيادة: "إنَما العِلم بالتعلُمِ, والفِقه بالتفقّه"(2).
ورَوى مُسلم فِي صحيحهِ(3) عَن ابن سِيرين أنهُ قَال: " إنّهَذا العِلم دِين فانظرُوا عمّن تأخذُون دينكُم".
---------------------------------------
(1) رَواه البُخارِي فِيصحيحهِ: كِتاب العِلم: بَاب مَن يُرد الله بهِ خَيراً يُفقّهه فِي الدّين, ومُسلم فِي صحيحهِ: كِتاب الزكَاة: بَاب النَهي عَن المسألة, والتِرمذي فِي سننهِ: كِتابالعلم: بَاب إذا أرادَ الله بعبدٍ خَيراً فقّهه فِي الدّين, وأحمد فِي مسندهِ 1/306وغيرهم.
(2) المُعجم الكَبير للطَبرانِي فِي 19/395, وقَال الحَافظ فِيالفتح 1/131: " إسنَاده حَسن".
(3) أخرجهُ مُسلم فِي صَحيحهِ: المُقدمة: بَاب بَيان أن الإسنَاد مِن الدِين, وأنَ الرِوَاية لا تكُون إلاّ عَن الثقات, وانجرح الرواة بِما هُو فيهم جَائِز بَل وَاجِب وأنهُ ليسَ مِن الغِيبة المُحرّمة بَلمِن الذبّ عَن الشَريعة المُكرّمة.
-----------------------------------------
وقَال أبو حَيان الأندلسِي:
يظنّ الغُمْرُ أن الكُتْبَ تَهدي ** أخَا جَهلٍ لإدْراكِ العُلومِ
ومَا يَدري الجهولُ بأنّ فِيها ** غَوامِض حَيّرت عَقلَ الفهيمِ
إذارُمت العُلومَ بغيرِ شيخٍ ** ضللتَ عَن الصِراط المُستقِيم
وتلتَبِسُ الأمُورُعليكَ حَتى ** تصيرَ أضلَّ مِن تُوما الحَكيم
وقَد ذكرَ الشَيخ حَبِيْب الرّحمن الأعظمِي محدث الديار الهِندية فِي مُقدمة ردّه عَلى الألبَاني تَحت عِنوان مَبلغ عِلم الألبَانِي(2) مَا نصّه: " الشَيخ نَاصِر الدِين الألبَانِي شَديد الولوع بتخطِئة الحذّاق مِن كِبار عُلماء المُسلمين ولا يحابي فِي ذلكَ أحداً كائِناً من كَان, فتَراه يوهّم البُخارِي ومُسلماً ومن دونهمَا" إلى أن قَال: "ويكثر من ذلكَ حَتى يظن الجَهلة والسذّج مِن العُلماء أنّ الألبَانِي نبغ فِي هَذا العَصر نبوغاً يندر مثله. وهَذا الذِي ينم عَنه ما يتبجّج بهِ الألبَانِي فِي كَثيرمِن المواطِن, ويَلفتُ إليهِ أنظَار قَارئيه, فتارة يَقول: أغتنمُ هَذا التَحقِيق فإنكَ لا تجده فِي غَير هَذا الموضِع -يَعني عِند غيره من المصنّفين-, وتَارة يدّعيأنهُ خصّه الله تَعالى فِي هَذا العَصر بالوُقوف عَلى زيادات الحَديث الوَاردة فِي مُختلف طُرقه المُنتشرة فِي الكُتبِ المُبعثرة, وبِذلكَ وَصل إلى مَا لَم يصل إليهِغَيره مِن المُحقّقين السَابِقين ولااللاحقِين.
----------------------------------------
(1) حَاشية الطَالب إبن حَمدون عَلى شرح بحرق عَلى لامية الأفْعَال ص/44.
(2) الألبَانِي أخطاؤه وشُذوذه 1/9.
-----------------------------------------
ولكِن مَن كَان يعرفَ الألبَانِي, ومَن له إلمام بِتاريخهِ, يعرفَ أنهُ لَم يتلقّ العِلم مِن أفواه العُلماء, ومَا جثا بَين أيديهم للاستِفادة, وإنَما العِلم بالتَعلُم, وقَد بَلغنِيأنّ مَبلغ علمه مُختصر القدوري, وجُلَّ مهارته فِي تَصليحِ السَاعات, ويَعترفَبذلكَ هُو ويَتبجّح. ولازِمُ ذلك أنهُ واللهِ لا يعرف مَا يعرفه ءاحَاد الطَلبة الذِين يشتغلون بِدراسَة الحَدِيث فِي عَامة مَدارسنا". إنتَهى كلام الشَيخ الأعظمي.
هَذا مَبلغ عِلم الألبَانِي, فإذا نظرتَ فِي كتبهِ تَجد الدَليل فإنهُ يذكر فِيما يُسمّيها بالصَحِيحة ما يُناقِض مَا يُسمّيها بالضَعِيفة, فَتراهيغير عَلى الأحَادِيث النَبويّة الشَريفة بِما لا يجُوز عِند أهْل العِلم بالحَديث, فيضعف الصَحِيح, ويجود الضَعيِف, وهَذا شأن مِن لَم يَشم رائِحة العِلم, وسَبيل مَنلَم يُعرف لهُ شيوخ الحَديث, وسماعٌ مِن ألفاظهم, ولا أراه إلا مطالعاً مِن المُطالعِين الذِين ظنّوا أن الكُتب تغنِي عَن الشيوخ والتلقّي, فإنا لَم نجدُ فِي تَرجمة لِحافظ أو محدث أنهُ اقتصَر عَلى المُطالعة مِن غير أن يدور عَلى الشيوخ, ويسمعَ منهُم كَما سمعُوا مِمن قبلهم عَلى عَادة أهْل الإسنَاد.
ومِن معايبهِ تطَاوله عَلى الأئِمة الكِبار, ويكفِيه ذمَّا أنهُ تَطاول عَلى البُخاري ومُسلم فأغار عَلى صحيحيهما ولَم يسلمَا منه, وليتهُ ضعّف تلك الأحَادِيث بِعلمِ ومعرفة, ولكِن بِجهل وَوقاحة, ومَن نَظر فِي كتبهِ وكَان لهُ مَعرفة وفهم وبَعُدَعَن التعصّب الأعمَى والجَهل القتَّال تَبين لهُ أنّ الألبَانِي ضَعيف فِي عِلم الحَديث متناً ورجالاً.
ومِن معايبهِ أيضاً لمزه لِن يُخالفه بالابتدَاع فهُو ومَن كَان معهُ عَلى زعمهِ سني يستحقَ الجنّة, ومَن خَالفهُ فهُو مُبتدع يستحق النَار, وقصده بِهذا الشُهرة, ومُراده أنهُ أوحَد عَصره, وأنهُ سَبق معَاصريه, وتفوّق عَلى مُتقدميه.
وبالجملة فالألبانِي فِي فتاويه واستنباطاته بلايا وطَامات, وسَقطات عظِيمة تَراه يبدّع مَن يَذكر بالسبحة, أو يقرأ القُرءان عَلى المَيت, وتجِد فِي كتبهِ ولا سِيما شَرح الطَحاوي الضلال والفَساد, وينطَبق عليهِمَا قَال فِي حقّه الشيخ محمّد يَاسِين الفَادانِي المشهُور: " الألبَانِي ضَال مُضلّ", ومَا قَال عنهُ الشَيخ حَبِيب الرّحمن: " وإنِي حين أقرأ مَا كَتبه الألبَانِي فِي هَذا المبحث وفِي غيره أتذكّر دائماً قَول النَبي صَلى الله عليهِ وسَلم: " إن ممَا أدرَك النَاس مِن كلام النُبوة الأولى إذا لَم تستحِ فاصْنع مَاشِئت".
ونقُول للذِين اتَبعوه وانغرّوا بِكلامهِ, وانخدعوا بِصيتهِ الخَادِع: عُودوا إلى الجادة القويمة, واتبعُوا مَنهج الأبْرار, وانبذوا مَن يخرجعَن النَهجِ المُستقيم, واحذروا مِن الإقدَام عَلى التكلّم فِي حَديث رسُول الله صَلى الله عليهِ وسَلم بِغير عِلم, ولا تغترّوا بِكُل نَاعق ضَال ولَو كَان لهُ عَشرات المؤلّفات, ومَا أبشَع الجُرأة عَلى الخَوضِ فِي حَديث رسُول الله صَلى الله عليهِ وسَلم بِغيرِ عِلم, نسألُ الله السّلامَة والعَافِية, قَال الله تَعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُ أوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) 36 [ سُورة الإسراء]."
يقول المحدث سيدي عبد الله بن الصديق رضي الله عنه
"هُو مُحمّد نَاصِر الدِين الألبَانِي أصلاً, إعتكفَ فِي بَادئ أمْره فِي غُرفة المَكتبة الظَاهِرية - دِمشق - إنكبّ فِيها عَلى القِراءة, وإنعكفَ عَلى المُطالعة, فَظن فِي نفسهِ أنهُ أصبحَ مِن أهْل هَذا الشأن, فَتجرأ عَلى الفَتوى, وعَلى تضعِيف وَتصحِيح مَا لا يُوافِق هَواه مِن الأحَادِيث, وعَلى التهجّم عَلى العُلماء المُعتبرين, مَع إدعائه أنّ الحفظ إنقطعَ هَذه الأيَام فَتراه مَرة يغيِر عَلى أقْوال العُلماء بالتَشنِيع, ومَرة عَلى الأحَادِيث الجياد بالتَضعِيف والتَوهِين, حَتى إنّ صَحيح البُخارِي ومُسلم لَم يسلمَا منهُ.
وَعلى هَذا فإنَ إسناده مَقطُوع ويَعود إلى الكُتب التِي تَصفحهَا لَوحده, وإلى الأجْزاء التِي قَرأهَا مِن غَير تلقّ, ويدّعِي أنهُ خَليِفة الشَيخ بَدر الدِين الحسني الذِي كَانت السبحة لا تَسقطَ مِن يدهُ حَتى أثنَاء درسه ثُم يبدّع -أي الألبَانِي- من يستعملهَا, وَبعد هَذا كُله يدّعي أنه بَلغَ دَرجة الحفظ والتَصحِيح ويوهم أتبَاعه أنهُ محّدث الدُنيا قَاطِبة, وهَل مُجرّد الحصُول عَلى إجَازة تخوّل الشَخص التكلّم عَلى حَديث رسُول الله صَلى الله عليهِ وسَلم. ثُمإنهُ مما يشهد عليهِ معَاصروه مِن عُلماء دِمشق عَدم حِفظه للمتُون فضلاً عَنالأسَانِيد, بَل جلّ عمله أنهُ يعكف عَلى حَديث مُعين فَينظر فِي رِجال إسنَاده فِيبطُون كُتب الجرح والتَعديل وبِناء عَلى ذلكَ يَحكُم عَلى الحَديث بالتَصحِيح أوالتَضعِيف, جَاهلاً أن للحَديث طرقاً وشَواهد ومُتابعات, غَافلاً أنّ الحَافظ وَحدههُو الذِي يصحّح ويضعف كَما قَال السُيوطِي فِي ألفيته:
وخذه حَيث حَافظ عليه نص ** أو من مصنَّف بِجمعه يخص
هذا مَع إن عِلم الدِين لا يُؤخذ بالمُطالَعةللكُتب فَقط دُون التَلقّي مِن أهْل المَعرفة والثِقة, لأنهُ قَد يكُون فِي هَذهالكُتب دسّ وإفترَاء عَلى الدّين, أو قَد يفهم منهَا أشيَاء عَلى خِلاف ما هِي عليه عِند السَلف والخَلف كَما تَناقلوه جِيلاً عَن جِيل مِن الأمة فَيُؤدِي عَبادةفَاسِدة, أو يَقع فِي تَشبِيه الله بِخلقه, أو غَير ذلكَ.
وَعلى كُلّ فَليسذلكَ سَبِيل التعلُم الذِي نهجه السَلف والخَلف, قَال الحَافظ أبو بَكر الخَطِيب البَغدَادِي: "لا يُؤخَذ العِلم إلاّ مِن أفْواه العُلماء", فَلا بُدّ مِن تعلُمأمُور الدِين من عَارف ثِقة أخَذ عَن ثِقة وَهكذا إلى الصَحابة, فالذِي يأخذَ القُرءان مَن المصحف يُسمى مصحفيّاً ولا يُسمى قَارئاً كَما ذَكر ذلكَ الخَطيبالبَغدادي فِي كِتابهِ الفَقيه والمُتفقه عَن بَعض السَلف.
ثُم يَكفيِنا فِي الحثّ عَلى التلقّي قَول النَبي صَلى الله عليهِ وسَلم:"مَن يُرد الله بهِ خَيراً يُفقّهه فِي الدِين"(1), وفِي رِوَاية زيادة: "إنَما العِلم بالتعلُمِ, والفِقه بالتفقّه"(2).
ورَوى مُسلم فِي صحيحهِ(3) عَن ابن سِيرين أنهُ قَال: " إنّهَذا العِلم دِين فانظرُوا عمّن تأخذُون دينكُم".
---------------------------------------
(1) رَواه البُخارِي فِيصحيحهِ: كِتاب العِلم: بَاب مَن يُرد الله بهِ خَيراً يُفقّهه فِي الدّين, ومُسلم فِي صحيحهِ: كِتاب الزكَاة: بَاب النَهي عَن المسألة, والتِرمذي فِي سننهِ: كِتابالعلم: بَاب إذا أرادَ الله بعبدٍ خَيراً فقّهه فِي الدّين, وأحمد فِي مسندهِ 1/306وغيرهم.
(2) المُعجم الكَبير للطَبرانِي فِي 19/395, وقَال الحَافظ فِيالفتح 1/131: " إسنَاده حَسن".
(3) أخرجهُ مُسلم فِي صَحيحهِ: المُقدمة: بَاب بَيان أن الإسنَاد مِن الدِين, وأنَ الرِوَاية لا تكُون إلاّ عَن الثقات, وانجرح الرواة بِما هُو فيهم جَائِز بَل وَاجِب وأنهُ ليسَ مِن الغِيبة المُحرّمة بَلمِن الذبّ عَن الشَريعة المُكرّمة.
-----------------------------------------
وقَال أبو حَيان الأندلسِي:
يظنّ الغُمْرُ أن الكُتْبَ تَهدي ** أخَا جَهلٍ لإدْراكِ العُلومِ
ومَا يَدري الجهولُ بأنّ فِيها ** غَوامِض حَيّرت عَقلَ الفهيمِ
إذارُمت العُلومَ بغيرِ شيخٍ ** ضللتَ عَن الصِراط المُستقِيم
وتلتَبِسُ الأمُورُعليكَ حَتى ** تصيرَ أضلَّ مِن تُوما الحَكيم
وقَد ذكرَ الشَيخ حَبِيْب الرّحمن الأعظمِي محدث الديار الهِندية فِي مُقدمة ردّه عَلى الألبَاني تَحت عِنوان مَبلغ عِلم الألبَانِي(2) مَا نصّه: " الشَيخ نَاصِر الدِين الألبَانِي شَديد الولوع بتخطِئة الحذّاق مِن كِبار عُلماء المُسلمين ولا يحابي فِي ذلكَ أحداً كائِناً من كَان, فتَراه يوهّم البُخارِي ومُسلماً ومن دونهمَا" إلى أن قَال: "ويكثر من ذلكَ حَتى يظن الجَهلة والسذّج مِن العُلماء أنّ الألبَانِي نبغ فِي هَذا العَصر نبوغاً يندر مثله. وهَذا الذِي ينم عَنه ما يتبجّج بهِ الألبَانِي فِي كَثيرمِن المواطِن, ويَلفتُ إليهِ أنظَار قَارئيه, فتارة يَقول: أغتنمُ هَذا التَحقِيق فإنكَ لا تجده فِي غَير هَذا الموضِع -يَعني عِند غيره من المصنّفين-, وتَارة يدّعيأنهُ خصّه الله تَعالى فِي هَذا العَصر بالوُقوف عَلى زيادات الحَديث الوَاردة فِي مُختلف طُرقه المُنتشرة فِي الكُتبِ المُبعثرة, وبِذلكَ وَصل إلى مَا لَم يصل إليهِغَيره مِن المُحقّقين السَابِقين ولااللاحقِين.
----------------------------------------
(1) حَاشية الطَالب إبن حَمدون عَلى شرح بحرق عَلى لامية الأفْعَال ص/44.
(2) الألبَانِي أخطاؤه وشُذوذه 1/9.
-----------------------------------------
ولكِن مَن كَان يعرفَ الألبَانِي, ومَن له إلمام بِتاريخهِ, يعرفَ أنهُ لَم يتلقّ العِلم مِن أفواه العُلماء, ومَا جثا بَين أيديهم للاستِفادة, وإنَما العِلم بالتَعلُم, وقَد بَلغنِيأنّ مَبلغ علمه مُختصر القدوري, وجُلَّ مهارته فِي تَصليحِ السَاعات, ويَعترفَبذلكَ هُو ويَتبجّح. ولازِمُ ذلك أنهُ واللهِ لا يعرف مَا يعرفه ءاحَاد الطَلبة الذِين يشتغلون بِدراسَة الحَدِيث فِي عَامة مَدارسنا". إنتَهى كلام الشَيخ الأعظمي.
هَذا مَبلغ عِلم الألبَانِي, فإذا نظرتَ فِي كتبهِ تَجد الدَليل فإنهُ يذكر فِيما يُسمّيها بالصَحِيحة ما يُناقِض مَا يُسمّيها بالضَعِيفة, فَتراهيغير عَلى الأحَادِيث النَبويّة الشَريفة بِما لا يجُوز عِند أهْل العِلم بالحَديث, فيضعف الصَحِيح, ويجود الضَعيِف, وهَذا شأن مِن لَم يَشم رائِحة العِلم, وسَبيل مَنلَم يُعرف لهُ شيوخ الحَديث, وسماعٌ مِن ألفاظهم, ولا أراه إلا مطالعاً مِن المُطالعِين الذِين ظنّوا أن الكُتب تغنِي عَن الشيوخ والتلقّي, فإنا لَم نجدُ فِي تَرجمة لِحافظ أو محدث أنهُ اقتصَر عَلى المُطالعة مِن غير أن يدور عَلى الشيوخ, ويسمعَ منهُم كَما سمعُوا مِمن قبلهم عَلى عَادة أهْل الإسنَاد.
ومِن معايبهِ تطَاوله عَلى الأئِمة الكِبار, ويكفِيه ذمَّا أنهُ تَطاول عَلى البُخاري ومُسلم فأغار عَلى صحيحيهما ولَم يسلمَا منه, وليتهُ ضعّف تلك الأحَادِيث بِعلمِ ومعرفة, ولكِن بِجهل وَوقاحة, ومَن نَظر فِي كتبهِ وكَان لهُ مَعرفة وفهم وبَعُدَعَن التعصّب الأعمَى والجَهل القتَّال تَبين لهُ أنّ الألبَانِي ضَعيف فِي عِلم الحَديث متناً ورجالاً.
ومِن معايبهِ أيضاً لمزه لِن يُخالفه بالابتدَاع فهُو ومَن كَان معهُ عَلى زعمهِ سني يستحقَ الجنّة, ومَن خَالفهُ فهُو مُبتدع يستحق النَار, وقصده بِهذا الشُهرة, ومُراده أنهُ أوحَد عَصره, وأنهُ سَبق معَاصريه, وتفوّق عَلى مُتقدميه.
وبالجملة فالألبانِي فِي فتاويه واستنباطاته بلايا وطَامات, وسَقطات عظِيمة تَراه يبدّع مَن يَذكر بالسبحة, أو يقرأ القُرءان عَلى المَيت, وتجِد فِي كتبهِ ولا سِيما شَرح الطَحاوي الضلال والفَساد, وينطَبق عليهِمَا قَال فِي حقّه الشيخ محمّد يَاسِين الفَادانِي المشهُور: " الألبَانِي ضَال مُضلّ", ومَا قَال عنهُ الشَيخ حَبِيب الرّحمن: " وإنِي حين أقرأ مَا كَتبه الألبَانِي فِي هَذا المبحث وفِي غيره أتذكّر دائماً قَول النَبي صَلى الله عليهِ وسَلم: " إن ممَا أدرَك النَاس مِن كلام النُبوة الأولى إذا لَم تستحِ فاصْنع مَاشِئت".
ونقُول للذِين اتَبعوه وانغرّوا بِكلامهِ, وانخدعوا بِصيتهِ الخَادِع: عُودوا إلى الجادة القويمة, واتبعُوا مَنهج الأبْرار, وانبذوا مَن يخرجعَن النَهجِ المُستقيم, واحذروا مِن الإقدَام عَلى التكلّم فِي حَديث رسُول الله صَلى الله عليهِ وسَلم بِغير عِلم, ولا تغترّوا بِكُل نَاعق ضَال ولَو كَان لهُ عَشرات المؤلّفات, ومَا أبشَع الجُرأة عَلى الخَوضِ فِي حَديث رسُول الله صَلى الله عليهِ وسَلم بِغيرِ عِلم, نسألُ الله السّلامَة والعَافِية, قَال الله تَعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُ أوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) 36 [ سُورة الإسراء]."