بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .. وبعد
فهذا بحث مختصر جمعت فيه أقوال الفقهاء في المذاهب الأربعة المتبوعة حول حكم ( صلاة النافلة أثناء وبعد إقامة الصلاة المكتوبة ) .
والمسألة ينظر فيها من حيث الحكم من جهتين :
1- حكم الشروع في النافلة بعد إقامة الصلاة المكتوبة .
2- حكم إتمام النافلة بعد إقامة الصلاة .
وفيما يلي أقوال أصحاب المذاهب الأربعة حول المسألتين من كتبهم المعتمدة :
المذهب الحنفي :
قال ابن عابدين في حاشيته " رد المحتار " (3/165) : ( وكذا يكره تطوع عند إقامة صلاة مكتوبة ) أي إقامة إمام مذهبه لحديث " { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } " ( إلا سنة فجر إن لم يخف فوت جماعتها ) ولو بإدراك تشهدها .
( قوله : عند إقامة صلاة مكتوبة ) أطلقها مع أنه قيدها في الخانية والخلاصة ، وأقره في الفتح وغيره من الشراح بيوم الجمعة ، وتبعهم في شرح المنية وقال : وأما في غير الجمعة فلا يكره بمجرد الأخذ بالإقامة ما لم يشرع الإمام في الصلاة ويعلم أنه يدركه في الركعة الأولى وكان غير مخالط للصف بلا حائل : والفرق أنه في الجمعة لكثرة الاجتماع لا يمكن غالبا بلا مخالطة للصف ا هـ ملخصا وسيأتي في باب إدراك الفريضة .
( قوله : إلا سنة فجر ) لما روى الطحاوي وغيره عن ابن مسعود أنه دخل المسجد وأقيمت الصلاة فصلى ركعتي الفجر في المسجد إلى أسطوانة وذلك بمحضر حذيفة وأبي موسى ، ومثله عن عمر وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر كما أسنده الحافظ الطحاوي في شرح الآثار ، ومثله عن الحسن ومسروق والشعبي شرح المنية .
المذهب المالكي :
قال ابن عليش في " منح الجليل " (2/284) : ( ولا تبتدأ ) بضم المثناة الأولى نائب فاعله ( صلاة ) أي يحرم ابتداؤها فرضا كانت أو نفلا من فذ أو جماعة بالمحل الذي هو مرتب للصلاة به أو رحبته لتأديته للطعن في الإمام وجماعته ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ، إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وحملت الكراهة في المدونة وابن الحاجب على التحريم ، وتصح صرح بها الموضح والقباب والبرزلي والأبي نقله الحط ولعله على أن الفسق المتعلق بالصلاة لا يمنع صحة الإمامة والمشهور منعها به ، وعليه فلا تصح ، وصلة تبتدأ ( بعد ) الشروع في ( الإقامة ) للراتب .
( وإن أقيمت ) الصلاة للراتب ( وهو ) أي الشخص المكلف ( في صلاة ) نافلة أو فريضة هي المقامة أو غيرها بمحل الراتب أو رحبته ( قطع ) المصلي صلاته التي هو فيها ودخل مع الراتب وجوبا إن لم يصلها أو صلاها فذا .
المذهب الشافعي :
قال ابن حجر الهيتمي في " تحفة المحتاج " (3/207) : ( ولا يبتدئ نفلا ) ومثله الطواف كما هو ظاهر ( بعد شروعه ) أي المقيم ( فيها ) أي الإقامة وكذا عند قرب شروعه فيها أي يكره لمن أراد الصلاة معهم ذلك كراهة تنزيه للخبر الصحيح { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } ويؤخذ مما تقرر أن من ابتدئت الإقامة وهو قائم لا يسن له الجلوس ثم القيام ؛ لأنه يشغله عن كمال الإجابة فهو كقيام الجالس المذكور في المتن ( فإن كان فيه ) أي النفل حال الإقامة ( أتمه ) ندبا سواء الراتبة ، والمطلقة إذا نوى عددا ، فإن لم ينوه اتجه الاقتصار على ركعتين ( إن لم يخش فوت الجماعة والله أعلم ) لإحرازه الفضيلتين .
وقال الخطيب الشربيني في " مغني المحتاج " (3/279) : ( ولا يبتدئ ) مريد فعل الفريضة المقام لها مع الجماعة الحاضرة ندبا ( نفلا بعد شروعه ) أي المقيم ( فيها ) أي الإقامة بل يكره له ذلك لخبر مسلم { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } ، وفي معنى الشروع قرب إقامتها ( فإن كان فيه ) أي النفل ( أتمه ) ندبا ( إن لم يخش ) أي يخف بإتمامه ( فوت الجماعة ) بسلام الإمام ( والله أعلم ) لقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } [ محمد ] فإن خاف فوتها ، فإن كانت الجماعة في غير الجمعة قطع النافلة لها ندبا وإلا فوجوبا .
نعم إن علم إدراك جماعة أخرى لتلاحق الناس ، فالمتجه إتمامه ، وحينئذ فيحمل لفظ الجماعة على الجنس لا المعهودة ، وهي التي أقيمت ، نبه على ذلك الإسنوي .
المذهب الحنبلي :
قال المرداوي في " الإنصاف " (3/191) : قوله ( وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) بلا نزاع فلو تلبس بنافلة بعد ما أقيمت الصلاة لم تنعقد ، على الصحيح من المذهب ، وهو ظاهر اختيار المجد ، وغيره ، وقيل : تصح ، وهما مخرجان من الروايتين فيمن شرع في النفل المطلق وعليه فوائت ، على ما تقدم في آخر شروط الصلاة ، وتقدم نظير ذلك بعد قضاء الفرائض في شروط الصلاة فليعاود وأطلقهما في الفائق ، والفروع ، في باب الأذان ، وابن تميم .
قوله ( وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها ، إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها ) هذا المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وعنه يتمها وإن خشي فوات الجماعة خفيفة ركعتين ، إلا أن يشرع في الثالثة ، فيتم الأربع نص عليه لكراهة الاقتصار على ثلاث .
وقال البهوتي في " كشاف القناع " (3/373) : ( وإذا أقيمت ) أي شرع المؤذن في إقامة ( الصلاة ) لرواية ابن حبان بلفظ إذا أخذ المؤذن في الإقامة ( التي يريد الصلاة مع إمامها ) وإلا لم يمتنع عليه ، كما لو أقيمت بمسجد لا يريد الصلاة فيه ، قاله في الفروع توجيها ( فلا صلاة إلا المكتوبة ، فلا يشرع في نفل مطلق ، ولا راتبة ) من سنة فجر أو غيرها ( في المسجد أو غيره ولو ببيته ) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } متفق عليه ( فإن فعل ) أي شرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة ( لم تنعقد ) لما روي عن أبي هريرة وكان عمر يضرب على كل صلاة بعد الإقامة وأباح قوم ركعتي الفجر والإمام يصلي منهم ابن مسعود ( فإن جهل الإقامة فكجهل وقت نهي ) وتقدم أن الأصل الإباحة ، لكن إن وافق أنه كان بعد الشروع فيها لم تنعقد .
( وإن أقيمت وهو فيها ) أي النافلة ( ولو ) كان ( خارج المسجد أتمها خفيفة ، ولو فاتته ركعة ) لقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } قاله ابن تميم وغيره ( ولا يزيد على ركعتين فإن كان شرع في ) الركعة ( الثالثة أتمها ) أي النافلة ( أربعا ) ؛ لأنها أفضل من الثلاث ( فإن سلم من ثلاث ) ركعات ( جاز نصا فيهما ) أي في المسألتين ولعل عدم كراهة الثلاث هنا للعذر ( إلا أن يخشى ) من أقيمت الصلاة وهو في نافلة ( فوات ما تدرك به الجماعة ، فيقطعها ) ؛ لأن الفرض أهم .
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .. وبعد
فهذا بحث مختصر جمعت فيه أقوال الفقهاء في المذاهب الأربعة المتبوعة حول حكم ( صلاة النافلة أثناء وبعد إقامة الصلاة المكتوبة ) .
والمسألة ينظر فيها من حيث الحكم من جهتين :
1- حكم الشروع في النافلة بعد إقامة الصلاة المكتوبة .
2- حكم إتمام النافلة بعد إقامة الصلاة .
وفيما يلي أقوال أصحاب المذاهب الأربعة حول المسألتين من كتبهم المعتمدة :
المذهب الحنفي :
قال ابن عابدين في حاشيته " رد المحتار " (3/165) : ( وكذا يكره تطوع عند إقامة صلاة مكتوبة ) أي إقامة إمام مذهبه لحديث " { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } " ( إلا سنة فجر إن لم يخف فوت جماعتها ) ولو بإدراك تشهدها .
( قوله : عند إقامة صلاة مكتوبة ) أطلقها مع أنه قيدها في الخانية والخلاصة ، وأقره في الفتح وغيره من الشراح بيوم الجمعة ، وتبعهم في شرح المنية وقال : وأما في غير الجمعة فلا يكره بمجرد الأخذ بالإقامة ما لم يشرع الإمام في الصلاة ويعلم أنه يدركه في الركعة الأولى وكان غير مخالط للصف بلا حائل : والفرق أنه في الجمعة لكثرة الاجتماع لا يمكن غالبا بلا مخالطة للصف ا هـ ملخصا وسيأتي في باب إدراك الفريضة .
( قوله : إلا سنة فجر ) لما روى الطحاوي وغيره عن ابن مسعود أنه دخل المسجد وأقيمت الصلاة فصلى ركعتي الفجر في المسجد إلى أسطوانة وذلك بمحضر حذيفة وأبي موسى ، ومثله عن عمر وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر كما أسنده الحافظ الطحاوي في شرح الآثار ، ومثله عن الحسن ومسروق والشعبي شرح المنية .
المذهب المالكي :
قال ابن عليش في " منح الجليل " (2/284) : ( ولا تبتدأ ) بضم المثناة الأولى نائب فاعله ( صلاة ) أي يحرم ابتداؤها فرضا كانت أو نفلا من فذ أو جماعة بالمحل الذي هو مرتب للصلاة به أو رحبته لتأديته للطعن في الإمام وجماعته ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ، إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وحملت الكراهة في المدونة وابن الحاجب على التحريم ، وتصح صرح بها الموضح والقباب والبرزلي والأبي نقله الحط ولعله على أن الفسق المتعلق بالصلاة لا يمنع صحة الإمامة والمشهور منعها به ، وعليه فلا تصح ، وصلة تبتدأ ( بعد ) الشروع في ( الإقامة ) للراتب .
( وإن أقيمت ) الصلاة للراتب ( وهو ) أي الشخص المكلف ( في صلاة ) نافلة أو فريضة هي المقامة أو غيرها بمحل الراتب أو رحبته ( قطع ) المصلي صلاته التي هو فيها ودخل مع الراتب وجوبا إن لم يصلها أو صلاها فذا .
المذهب الشافعي :
قال ابن حجر الهيتمي في " تحفة المحتاج " (3/207) : ( ولا يبتدئ نفلا ) ومثله الطواف كما هو ظاهر ( بعد شروعه ) أي المقيم ( فيها ) أي الإقامة وكذا عند قرب شروعه فيها أي يكره لمن أراد الصلاة معهم ذلك كراهة تنزيه للخبر الصحيح { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } ويؤخذ مما تقرر أن من ابتدئت الإقامة وهو قائم لا يسن له الجلوس ثم القيام ؛ لأنه يشغله عن كمال الإجابة فهو كقيام الجالس المذكور في المتن ( فإن كان فيه ) أي النفل حال الإقامة ( أتمه ) ندبا سواء الراتبة ، والمطلقة إذا نوى عددا ، فإن لم ينوه اتجه الاقتصار على ركعتين ( إن لم يخش فوت الجماعة والله أعلم ) لإحرازه الفضيلتين .
وقال الخطيب الشربيني في " مغني المحتاج " (3/279) : ( ولا يبتدئ ) مريد فعل الفريضة المقام لها مع الجماعة الحاضرة ندبا ( نفلا بعد شروعه ) أي المقيم ( فيها ) أي الإقامة بل يكره له ذلك لخبر مسلم { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } ، وفي معنى الشروع قرب إقامتها ( فإن كان فيه ) أي النفل ( أتمه ) ندبا ( إن لم يخش ) أي يخف بإتمامه ( فوت الجماعة ) بسلام الإمام ( والله أعلم ) لقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } [ محمد ] فإن خاف فوتها ، فإن كانت الجماعة في غير الجمعة قطع النافلة لها ندبا وإلا فوجوبا .
نعم إن علم إدراك جماعة أخرى لتلاحق الناس ، فالمتجه إتمامه ، وحينئذ فيحمل لفظ الجماعة على الجنس لا المعهودة ، وهي التي أقيمت ، نبه على ذلك الإسنوي .
المذهب الحنبلي :
قال المرداوي في " الإنصاف " (3/191) : قوله ( وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) بلا نزاع فلو تلبس بنافلة بعد ما أقيمت الصلاة لم تنعقد ، على الصحيح من المذهب ، وهو ظاهر اختيار المجد ، وغيره ، وقيل : تصح ، وهما مخرجان من الروايتين فيمن شرع في النفل المطلق وعليه فوائت ، على ما تقدم في آخر شروط الصلاة ، وتقدم نظير ذلك بعد قضاء الفرائض في شروط الصلاة فليعاود وأطلقهما في الفائق ، والفروع ، في باب الأذان ، وابن تميم .
قوله ( وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها ، إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها ) هذا المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وعنه يتمها وإن خشي فوات الجماعة خفيفة ركعتين ، إلا أن يشرع في الثالثة ، فيتم الأربع نص عليه لكراهة الاقتصار على ثلاث .
وقال البهوتي في " كشاف القناع " (3/373) : ( وإذا أقيمت ) أي شرع المؤذن في إقامة ( الصلاة ) لرواية ابن حبان بلفظ إذا أخذ المؤذن في الإقامة ( التي يريد الصلاة مع إمامها ) وإلا لم يمتنع عليه ، كما لو أقيمت بمسجد لا يريد الصلاة فيه ، قاله في الفروع توجيها ( فلا صلاة إلا المكتوبة ، فلا يشرع في نفل مطلق ، ولا راتبة ) من سنة فجر أو غيرها ( في المسجد أو غيره ولو ببيته ) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } متفق عليه ( فإن فعل ) أي شرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة ( لم تنعقد ) لما روي عن أبي هريرة وكان عمر يضرب على كل صلاة بعد الإقامة وأباح قوم ركعتي الفجر والإمام يصلي منهم ابن مسعود ( فإن جهل الإقامة فكجهل وقت نهي ) وتقدم أن الأصل الإباحة ، لكن إن وافق أنه كان بعد الشروع فيها لم تنعقد .
( وإن أقيمت وهو فيها ) أي النافلة ( ولو ) كان ( خارج المسجد أتمها خفيفة ، ولو فاتته ركعة ) لقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } قاله ابن تميم وغيره ( ولا يزيد على ركعتين فإن كان شرع في ) الركعة ( الثالثة أتمها ) أي النافلة ( أربعا ) ؛ لأنها أفضل من الثلاث ( فإن سلم من ثلاث ) ركعات ( جاز نصا فيهما ) أي في المسألتين ولعل عدم كراهة الثلاث هنا للعذر ( إلا أن يخشى ) من أقيمت الصلاة وهو في نافلة ( فوات ما تدرك به الجماعة ، فيقطعها ) ؛ لأن الفرض أهم .
والحمد لله رب العالمين