بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإمام ابن العربي المالكي وكلامه في المجمسة الحشوية
(أمثال الوهابية اليوم)
هذا كلام الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله في مجسمة ومشبهة وحشوية عصره
قال الإمام المجتهد المحقق ابن العربي المالكي رحمه الله في كتابه[العواصم من القواصم ( ط دار التراث صـ 208-213)
• قاصمة :
وقد بينّا في غير موضع أنّ الكائدين للإسلام كثير ، والمقصرون فيه كثير ، وأولياؤه المشتغلون به قليل ، فممن كاده :
الباطنية ، وقد بينّا جملة أحوالهم .
وممن كاده : الظاهرية ، وهم طائفتان :
إحداهما : المتبعون للظاهر في العقائد والأصول .
الثانية : المتبعون للظاهر في الأصول .
وكلا الطائفتين في الأصل خبيثة ، وما تفرع عنهما خبيث مثلهما ، فالولد من غير نكاح لغية ، والحية لا تلد إلا حية .
وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد هي في طرف التشبيه ، كالأولى في التعطيل ، وقد بُليتُ بهم في رحلتي وتعرّضوا لي كثيراً دون بُغيتي ، وأكثر ما شاهدتهم بمصرَ والشام وبغداد .
يقولون : إن الله تعالى أعلم بنفسه وصفاته ومخلوقاته منّا ، وهو معلمنا ، فإذا أخبرنا بأمره آمنّا به كما أخبر واعتقدناه كما أمر .
وقالوا حين سمعوا { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } و { وجاء ربك والملك صفّاً صفاً } و { فأتى الله بنيانهم من القواعد } و ( ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا) أنّهُ يتحرك وينتقل ويجيء ويذهب من موضع إلى موضع.
ولما سمعوا قوله : { الرحمن على العرش استوى } قالوا : إنه جالسٌ عليه ، متصل به ، وأنه أكبر بأربع أصابع ، إذ لا يصح أن يكون أصغر منه لأنه العظيم ولا يكون مثله لأنه { ليس كمثله شيء} ، فهو أكبر ن العرش بأربع أصابع .
ولقد أخبرني جماعة من أهل السنة بمدينة السلام أنه ورد بها الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري الصوفي من نيسابور ، فعقد مجلساً للذكر ، وحضر فيه كافة الخلق ، وقرأ القارئ { الرحمن على العرش استوى } ، قال لي أخصهم : فرأيت – يعني الحنابلة – يقومون في أثناء المجلس ويقولون : قاعدٌ قاعدٌ بأرفع صوتٍ وأبعده مدى ، وثار إليهم أهل السنة من أصحاب القشيري ومن أهل الحضرة ، وتثاور الفئتان ، وغلبت العامة فأجحروهم المدرسة النظامية وحصروهم فيها ، فرموهم بالنشاب ، فمات منهم قوم ، وركب زعيم الكفاة وبعض الدارية فسكنوا ثورتهم وأطفوا نورتهم .
وقالوا : إنه يتكلم بحرف وصوت ، وعزوه إلى أحمد بن حنبل ، وتعدى بهم الباطل إلى أن يقولوا : إن الحروف قديمة !!
وقالوا : إنه ذو يد وأصابع وساعد وذراع وخاصرة وساق ورجل يطأ بها حيث شاء ، وأنه يضحك ويمشي ويهرول .
وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن الحسين الفراء - رئيس الحنابلة ببغداد – كان يقول إذا ذكر الله تعالى وما ورد من هذه الظواهر في صفاته ، يقول : ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة !!
وانتهى بهم القول إلى أن يقولوا : إن أراد أحد أن يعلم الله فلينظر إلى نفسه فإنه الله بعينه ، إلا أن الله منزه عن الآفات قديم لا أول له دائم لا يفنى ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله خلق آدم على صورته) وفي رواية : (على صورة الرحمن) وهي صحيحة . فلله الوجه بعينه لا ننفيه ولا نتأوله ، إلى محالات لا يرضى بها ذو نهى.
وكان رأس هذه الطائفة بالشام أبو الفرج الحنبلي بدمشق ، وابن الرميلي المحدث ببيت المقدس ، والقطرواني بنواحي نابلس ، والفاخوري بديار مصر ، ولحقت منهم ببغداد أبا الحسين بن أبي يعلى الفراء ، وكل منهم ذو أتباع من العوام ، جمعاً غفيراً وعصبة عصية عن الحق وعصبية على الخلق .
ولو كانت لهم أفهام ورزقوا معرفة بدين الإسلام لكان لهم من أنفسهم وازع ، لظهور التهافت على مقالاتهم ، وعموم البطلان لكلماتهم . ولكن الفدامة استولت عليهم ، فليس لهم قلوب يعقلون بها ، ولا أعين يبصرون بها ، ولا آذان يسمعون بها ، أؤلئك كالأنعام بل هم أضل . ولقد أخبرني غير واحد عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الاسفراييني أنه خرج يوما على أصحابه مسروراً فسألوه ، فقال : ناظرت اليوم عاميا فظهرت عليه . فقيل له : وأنت تظهر على الأيمة ، فكيف تفرح بالظهور على العوام ؟ فقال : العالم يرده علمه وعقله ودينه ، والعامي لا يرده فهمٌ ولا يردعه دين ، فغلبته نهزة ونادرة .
قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه : وأنبئكم بغريبة ، أني ما لقيت طائفة إلا وكانت لي معهم وقفة في مقالاتهم - عصمني الله بالنظر بتوفيقه منها – إلا الباطنية والمشبهة ، فإنها زعنفة تحققت أنه ليس وراءها معرفة . فقذفتْ نفسي كلامها من أول مرة ، وسائر الطوائف لا بد أن يقف الفكر عقلا وشرعا من أي وجه طلبت الدليل حتى يرشده العقل والشرع إلى مأخذ النجاة .
. ] انتهى
ثم أنشأ الإمام بعدها في العاصمة من هذه القاصمة وفيها نقض كلام المبتدعة الحشوية وهدم تجسيمهم ، فليطالع للفائدة .
والله من وراء القصد .
ــــــــــــ
قال الإمام الحجة ابن العربي في العارضة (2/234-235):
" قد تعدى إليه ـ أي حديث النزول ـ قوم ليسوا من أهل العلم بالتفسير، فتعدوا عليه بالقول بالنكير، وقالوا: في هذا الحديث دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات ?
قلنا: هذا جهل عظيم، وإنما قال ينزل إلى السماء ولم يقل في هذا الحديث من أين ينزل ولا كيف ينزل. قالوا: وحجتهم ظاهر قول الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} .
قلنا: وما العرش في العربية؟ وما الاستواء؟
قالوا: كما قال الله تعالى: {لتستووا على ظهوره} .
قلنا: إن الله تعالى تنزه أن يمثل استواءه على عرشه باستوائنا على ظهور الركائب.
قالوا: كما قال الله تعالى: {واستوت على الجودي}.
قلنا: تعالى الله أن يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت.
قالوا: وكما قال {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك}.
قلنا: معاذ الله أن يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه، لأن هذا كله استواء مخلوق بارتفاع وتمكن في مكان واتصال ملامسة، وقد اتفقت الأمة من قبل سماع الحديث ومن بعده على أنه ليس استواؤه على شيء من ذلك، فلا يضرب له المثل بشيء من خلقه.
قالوا: قال الله عز وجل ثم استوى إلى السماء
قلنا: تناقضت، تارة تقول إنه على العرش فوق السماء، ثم تقول انه في السماء، لقوله تعالى {أأمنتم من في السماء} ، وقلت إن معناه على السماء.
قالوا: اجتمع الموحدون على أن يرفعوا أيديهم في الدعاء إلى السماء، ولو لا ما قال موسى إلهي في السماء لفرعون ما قال: يا هامان ابن لي صرحاً.
قلنا: كذبتم على موسى، ما قالها قط، ومن يوصلكم إليه، إنما أنتم أتباع فرعون الذي اعتقد أن الباري في جهة فأراد أن يرقى إليه بسلم، فهنيئاً لكم أنكم من أتباع فرعون، وأنه إمامكم.
واحتجوا بقول أمية بن أبي الصلت حيث قال:
فسبحان من لا يقدر الخلق قـــدره = ومن هو فوق العرش فرد موحــد
مليك على عرش الســماء مهيمن = لعزته تعنو الوجوه وتســــجد
قالوا: وهو قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور.
قلنا: هذا الذي يليق بجهلكم أن تحتجوا بقول فرعون، ثم تثنوا بقول ملحد جاهل، وتحيلون به على التوراة والإنجيل المبدلة المحرفة، وأنتم تعلمون أن اليهود أعرق خلق الله كفراً وتشبيهاً له بخلقه.
والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن الله كان ولا شيء معه، ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش، فلم يتعين بها، ولا حدث له جهة منها، ولا كان له مكان فيها، فإنه لا يحول ولا يزول، قدوس لا يتغير ولا يستحيل.
وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز، منها ما يجوز على الله فيكون معنىً للآية، ومنها ما لا يجوز على الله بحال، وهو إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار أو الاتصال أو المحاذاة، فإن شيئاً من ذلك لا يجوز على الباري تبارك وتعالى ولا تضرب له الأمثال في المخلوقات، وإما أن لا يفسر كما قال مالك وغيره، إن الاستواء معلوم ـ يعني مورده في اللغة ـ والكيف غير معقول ـ أي يستحيل في حق الله سبحانه وتعالى ـ والسؤال عنه بدعة، لأن الاشتغال به قد يثير طلب المتشابه ابتغاء الفتنة، فتحصل لك من كلام إمام المسلمين مالك أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه.. وقد حصل لك التوحيد والإيمان بنفي التشبيه، والمحال على الله سبحانه وتعالى .." اهـ
ــــــــــــ
قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي
عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ابن العربي – دار الفكر، بيروت – المجلد الثاني، ص ٢٣٥
قال ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى:
{وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: {وكلم الله موسى تكليما} فخص موسى بوصف كليم الله"انتهي
ــــــــ
ولذلك ينصح القاضي ابن العربي المالكي رحمه الله
بكتب السادة الأشاعرة فيقول
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي [ عمّار طالبي : آراء أبي بكر بن العربي الكلامية و نقده للفلسفة اليونانية ، الجزء الثاني : العواصم من القواصم صفحة 108 ] :
على كل حال فالذي أراه لكم على الإطلاق ، أن تقتصروا على كتب علمائنا الأشعرية ، و على العبارات الإسلامية ، و الأدلة القرآنية.اهــــ
ــــــــــ
فهل يستمع حشوية اليوم للإمام ابن العربي المالكي رحمه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإمام ابن العربي المالكي وكلامه في المجمسة الحشوية
(أمثال الوهابية اليوم)
هذا كلام الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله في مجسمة ومشبهة وحشوية عصره
قال الإمام المجتهد المحقق ابن العربي المالكي رحمه الله في كتابه[العواصم من القواصم ( ط دار التراث صـ 208-213)
• قاصمة :
وقد بينّا في غير موضع أنّ الكائدين للإسلام كثير ، والمقصرون فيه كثير ، وأولياؤه المشتغلون به قليل ، فممن كاده :
الباطنية ، وقد بينّا جملة أحوالهم .
وممن كاده : الظاهرية ، وهم طائفتان :
إحداهما : المتبعون للظاهر في العقائد والأصول .
الثانية : المتبعون للظاهر في الأصول .
وكلا الطائفتين في الأصل خبيثة ، وما تفرع عنهما خبيث مثلهما ، فالولد من غير نكاح لغية ، والحية لا تلد إلا حية .
وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد هي في طرف التشبيه ، كالأولى في التعطيل ، وقد بُليتُ بهم في رحلتي وتعرّضوا لي كثيراً دون بُغيتي ، وأكثر ما شاهدتهم بمصرَ والشام وبغداد .
يقولون : إن الله تعالى أعلم بنفسه وصفاته ومخلوقاته منّا ، وهو معلمنا ، فإذا أخبرنا بأمره آمنّا به كما أخبر واعتقدناه كما أمر .
وقالوا حين سمعوا { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } و { وجاء ربك والملك صفّاً صفاً } و { فأتى الله بنيانهم من القواعد } و ( ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا) أنّهُ يتحرك وينتقل ويجيء ويذهب من موضع إلى موضع.
ولما سمعوا قوله : { الرحمن على العرش استوى } قالوا : إنه جالسٌ عليه ، متصل به ، وأنه أكبر بأربع أصابع ، إذ لا يصح أن يكون أصغر منه لأنه العظيم ولا يكون مثله لأنه { ليس كمثله شيء} ، فهو أكبر ن العرش بأربع أصابع .
ولقد أخبرني جماعة من أهل السنة بمدينة السلام أنه ورد بها الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري الصوفي من نيسابور ، فعقد مجلساً للذكر ، وحضر فيه كافة الخلق ، وقرأ القارئ { الرحمن على العرش استوى } ، قال لي أخصهم : فرأيت – يعني الحنابلة – يقومون في أثناء المجلس ويقولون : قاعدٌ قاعدٌ بأرفع صوتٍ وأبعده مدى ، وثار إليهم أهل السنة من أصحاب القشيري ومن أهل الحضرة ، وتثاور الفئتان ، وغلبت العامة فأجحروهم المدرسة النظامية وحصروهم فيها ، فرموهم بالنشاب ، فمات منهم قوم ، وركب زعيم الكفاة وبعض الدارية فسكنوا ثورتهم وأطفوا نورتهم .
وقالوا : إنه يتكلم بحرف وصوت ، وعزوه إلى أحمد بن حنبل ، وتعدى بهم الباطل إلى أن يقولوا : إن الحروف قديمة !!
وقالوا : إنه ذو يد وأصابع وساعد وذراع وخاصرة وساق ورجل يطأ بها حيث شاء ، وأنه يضحك ويمشي ويهرول .
وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن الحسين الفراء - رئيس الحنابلة ببغداد – كان يقول إذا ذكر الله تعالى وما ورد من هذه الظواهر في صفاته ، يقول : ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة !!
وانتهى بهم القول إلى أن يقولوا : إن أراد أحد أن يعلم الله فلينظر إلى نفسه فإنه الله بعينه ، إلا أن الله منزه عن الآفات قديم لا أول له دائم لا يفنى ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله خلق آدم على صورته) وفي رواية : (على صورة الرحمن) وهي صحيحة . فلله الوجه بعينه لا ننفيه ولا نتأوله ، إلى محالات لا يرضى بها ذو نهى.
وكان رأس هذه الطائفة بالشام أبو الفرج الحنبلي بدمشق ، وابن الرميلي المحدث ببيت المقدس ، والقطرواني بنواحي نابلس ، والفاخوري بديار مصر ، ولحقت منهم ببغداد أبا الحسين بن أبي يعلى الفراء ، وكل منهم ذو أتباع من العوام ، جمعاً غفيراً وعصبة عصية عن الحق وعصبية على الخلق .
ولو كانت لهم أفهام ورزقوا معرفة بدين الإسلام لكان لهم من أنفسهم وازع ، لظهور التهافت على مقالاتهم ، وعموم البطلان لكلماتهم . ولكن الفدامة استولت عليهم ، فليس لهم قلوب يعقلون بها ، ولا أعين يبصرون بها ، ولا آذان يسمعون بها ، أؤلئك كالأنعام بل هم أضل . ولقد أخبرني غير واحد عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الاسفراييني أنه خرج يوما على أصحابه مسروراً فسألوه ، فقال : ناظرت اليوم عاميا فظهرت عليه . فقيل له : وأنت تظهر على الأيمة ، فكيف تفرح بالظهور على العوام ؟ فقال : العالم يرده علمه وعقله ودينه ، والعامي لا يرده فهمٌ ولا يردعه دين ، فغلبته نهزة ونادرة .
قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه : وأنبئكم بغريبة ، أني ما لقيت طائفة إلا وكانت لي معهم وقفة في مقالاتهم - عصمني الله بالنظر بتوفيقه منها – إلا الباطنية والمشبهة ، فإنها زعنفة تحققت أنه ليس وراءها معرفة . فقذفتْ نفسي كلامها من أول مرة ، وسائر الطوائف لا بد أن يقف الفكر عقلا وشرعا من أي وجه طلبت الدليل حتى يرشده العقل والشرع إلى مأخذ النجاة .
. ] انتهى
ثم أنشأ الإمام بعدها في العاصمة من هذه القاصمة وفيها نقض كلام المبتدعة الحشوية وهدم تجسيمهم ، فليطالع للفائدة .
والله من وراء القصد .
ــــــــــــ
قال الإمام الحجة ابن العربي في العارضة (2/234-235):
" قد تعدى إليه ـ أي حديث النزول ـ قوم ليسوا من أهل العلم بالتفسير، فتعدوا عليه بالقول بالنكير، وقالوا: في هذا الحديث دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات ?
قلنا: هذا جهل عظيم، وإنما قال ينزل إلى السماء ولم يقل في هذا الحديث من أين ينزل ولا كيف ينزل. قالوا: وحجتهم ظاهر قول الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} .
قلنا: وما العرش في العربية؟ وما الاستواء؟
قالوا: كما قال الله تعالى: {لتستووا على ظهوره} .
قلنا: إن الله تعالى تنزه أن يمثل استواءه على عرشه باستوائنا على ظهور الركائب.
قالوا: كما قال الله تعالى: {واستوت على الجودي}.
قلنا: تعالى الله أن يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت.
قالوا: وكما قال {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك}.
قلنا: معاذ الله أن يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه، لأن هذا كله استواء مخلوق بارتفاع وتمكن في مكان واتصال ملامسة، وقد اتفقت الأمة من قبل سماع الحديث ومن بعده على أنه ليس استواؤه على شيء من ذلك، فلا يضرب له المثل بشيء من خلقه.
قالوا: قال الله عز وجل ثم استوى إلى السماء
قلنا: تناقضت، تارة تقول إنه على العرش فوق السماء، ثم تقول انه في السماء، لقوله تعالى {أأمنتم من في السماء} ، وقلت إن معناه على السماء.
قالوا: اجتمع الموحدون على أن يرفعوا أيديهم في الدعاء إلى السماء، ولو لا ما قال موسى إلهي في السماء لفرعون ما قال: يا هامان ابن لي صرحاً.
قلنا: كذبتم على موسى، ما قالها قط، ومن يوصلكم إليه، إنما أنتم أتباع فرعون الذي اعتقد أن الباري في جهة فأراد أن يرقى إليه بسلم، فهنيئاً لكم أنكم من أتباع فرعون، وأنه إمامكم.
واحتجوا بقول أمية بن أبي الصلت حيث قال:
فسبحان من لا يقدر الخلق قـــدره = ومن هو فوق العرش فرد موحــد
مليك على عرش الســماء مهيمن = لعزته تعنو الوجوه وتســــجد
قالوا: وهو قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور.
قلنا: هذا الذي يليق بجهلكم أن تحتجوا بقول فرعون، ثم تثنوا بقول ملحد جاهل، وتحيلون به على التوراة والإنجيل المبدلة المحرفة، وأنتم تعلمون أن اليهود أعرق خلق الله كفراً وتشبيهاً له بخلقه.
والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن الله كان ولا شيء معه، ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش، فلم يتعين بها، ولا حدث له جهة منها، ولا كان له مكان فيها، فإنه لا يحول ولا يزول، قدوس لا يتغير ولا يستحيل.
وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز، منها ما يجوز على الله فيكون معنىً للآية، ومنها ما لا يجوز على الله بحال، وهو إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار أو الاتصال أو المحاذاة، فإن شيئاً من ذلك لا يجوز على الباري تبارك وتعالى ولا تضرب له الأمثال في المخلوقات، وإما أن لا يفسر كما قال مالك وغيره، إن الاستواء معلوم ـ يعني مورده في اللغة ـ والكيف غير معقول ـ أي يستحيل في حق الله سبحانه وتعالى ـ والسؤال عنه بدعة، لأن الاشتغال به قد يثير طلب المتشابه ابتغاء الفتنة، فتحصل لك من كلام إمام المسلمين مالك أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه.. وقد حصل لك التوحيد والإيمان بنفي التشبيه، والمحال على الله سبحانه وتعالى .." اهـ
ــــــــــــ
قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي
عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ابن العربي – دار الفكر، بيروت – المجلد الثاني، ص ٢٣٥
قال ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى:
{وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: {وكلم الله موسى تكليما} فخص موسى بوصف كليم الله"انتهي
ــــــــ
ولذلك ينصح القاضي ابن العربي المالكي رحمه الله
بكتب السادة الأشاعرة فيقول
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي [ عمّار طالبي : آراء أبي بكر بن العربي الكلامية و نقده للفلسفة اليونانية ، الجزء الثاني : العواصم من القواصم صفحة 108 ] :
على كل حال فالذي أراه لكم على الإطلاق ، أن تقتصروا على كتب علمائنا الأشعرية ، و على العبارات الإسلامية ، و الأدلة القرآنية.اهــــ
ــــــــــ
فهل يستمع حشوية اليوم للإمام ابن العربي المالكي رحمه الله